قال باحثون في القانون الدستوري إن اقتراب مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، في صيغته الجديدة، من المصادقة النهائية “يُنهي الفراغ التشريعي الذي كان حاضرا في واجهة النقاش الحقوقي والمؤسساتي خلال السنوات الأخيرة، باعتباره أحد المداخل الأساسية لتفعيل الرقابة المواطِنة على القوانين وضمان حماية الحقوق والحريات الدستورية”.
وشدّد الباحثون على أن “إخراج هذا النص إلى الوجود لم يعد مجرد استحقاق مؤجل؛ بل أصبح ضرورة مؤسسية لاستكمال هندسة الدولة الدستورية الحديثة بالمغرب”، مبرزين أن “هذا القانون من شأنه تعزيز موقع المحكمة الدستورية ضمن منظومة الضمانات الديمقراطية، وتوسيع فضاء التقاضي الدستوري ليشمل المواطنين باعتبارهم فاعلين في حماية الشرعية الدستورية”.
“تحفظات ممكنة”
قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري، إن “فكرة الدفع بعدم دستورية القوانين التي يتقدم بها المواطنون في مواجهة النصوص التي يعتبرونها ماسّة بالحقوق والحريات أثناء نزاع معروض أمام المحاكم، بمختلف درجاتها، تُعدّ فكرة متقدمة من حيث تيسير ولوج الأفراد إلى المحكمة الدستورية، وتوسيع اختصاص هذه الأخيرة ليشمل القوانين العادية من مدخل جديد هو مدخل الدفع بعدم دستورية قانون”.
وأضاف اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المسار الذي أخذه هذا القانون، بعد أن بتّت فيه المحكمة الدستورية مرتين، الأولى بخصوص مضمون الموضوع والثانية بسبب عيب مسطري، جعل العديد من المتتبعين يتساءلون حول مدى جدية الدولة في إخراجه إلى الوجود”.
وأوضح المختص في القانون الدستوري أن “تصحيح العيب المسطري يفرض اليوم تسريع المسطرة التشريعية كما يحدث في قوانين أخرى، من أجل إخراج النص إلى حيز التطبيق؛ لأن التحدي الحقيقي يكمن في الممارسة التي ستعرف صعوبات وتأويلات متعددة لبعض مواده”.
في السياق ذاته، شدد الأكاديمي عينه على أن “المادة السابعة والعشرين من مشروع هذا القانون، التي تنص على إمكانية نسخ قرار المحكمة لمقتضى قانوني، تمثل تطاولا على اختصاص المشرّ، وتحوّل المحكمة الدستورية من مشرّع سلبي إلى مشرّع إيجابي؛ وهو ما يُعدّ مساسا صريحا باختصاص التشريع الحصري لممثلي الأمة، أي مؤسسة البرلمان”.
“تعزيز حماية الحقوق”
قال الحسين بكار السباعي، محام بهيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير والعيون مقبول لدى محكمة النقض، إنه “رغم ما يحمله المشروع من ضمانات لتفعيل الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين وتعزيز حماية الحقوق، فإنه يثير بعض الملاحظات المرتبطة بصرامة شروط القبول من ضرورة الطعن بواسطة محام مقبول لدى محكمة النقض وأداء صوائر قضائية عن مباشرة الطعن ناهيك عن طول المسطرة؛ مما قد يحد من فعالية هذه الآلية الجديدة في تحقيق التوازن بين حماية الحقوق وضمان الأمن القانوني والقضائي”.
وأبرز السباعي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، أن “الأهمية البالغة تكمن في تجاوز فراغ التشريعي بخصوص الطعن في عدم دستورية القوانين امتد لأزيد من خمس عشرة سنة منذ صدور دستور 2011، حيث إنه أعاد الاعتبار لإحدى أهم الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات الأساسية”.
وتابع المحامي المقبول لدى محكمة النقض: “تعطيل إخراج القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين كان يعني عمليا تعليق نفاذ إحدى آليات الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين، وحرمان الأفراد من وسيلة فعالة للطعن في النصوص التي تمس بحقوقهم الدستورية أثناء التقاضي”.
وقال الحسين بكار السباعي إن “تجاوز هذا التعثر اليوم يترجم إرادة المشرع المغربي في تفعيل المقتضيات الدستورية المؤجلة، واستكمال بناء منظومة العدالة الدستورية بالمغرب على نحو يجعل من المواطن فاعلا في حماية الدستور”، مسجلا أن “اعتماد هذا القانون سيمكن من ملاءمة المنظومة القضائية مع مبادئ سمو الدستور والرقابة المتبادلة بين السلطات، كما يعد خطوة نوعية نحو تكريس الثقة في العدالة الدستورية وضمان الأمن القانوني”.
أهمية مزدوجة
أكد الحبيب استاتي زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مراكش، أن “الصيغة الحالية من المشروع تكتسي أهمية مزدوجة؛ من جهة لكونها تؤسس لأول مرة لآلية عملية لممارسة حق الأفراد في الدفع بعدم الدستورية، ومن جهة أخرى لأنها تكرّس تحولا مؤسسيا نحو رقابة قضائية لاحقة تكفل سمو الدستور”، مورداً أن “المغرب كان يعتمد حصرياً على الرقابة القبلية التي تمارسها المحكمة الدستورية قبل إصدار القوانين، أي رقابة محدودة الأطراف”.
وشدد استاتي زين الدين، في تصريحه لجريدة هسبريس، على أن “المشروع يمنح كل متقاضٍ، مدنياً كان أو جنائياً، حق إثارة الدفع بعدم دستورية نصٍّ تشريعي يراد تطبيقه عليه، متى اعتبر أنه يمس بحقوقه الدستورية”، مبرزاً بأنها “نقلة نوعية في الفكر الدستوري المغربي، تنقل المواطن من موقع المتلقي لأحكام الدستور إلى موقع الفاعل في صيانته، وتحوّل الدستور إلى وثيقة حيّة قابلة للممارسة القضائية، لا مجرد إعلان نظري للمبادئ”.
وتابع المتحدث موضحاً أن “المشروع يفعل بذلك الفصل 133 من دستور 2011، فيجعل المواطن شريكاً في حماية الدستور، ويعزز مفهوم المواطنة الدستورية القائمة على المشاركة والمسؤولية”، مؤكداً أن “الدستور لا يصان فقط بواسطة المؤسسات، بل أيضاً من خلال وعي المواطنين بحقوقهم وانخراطهم في صيانتها، بما يعكس تحولاً عميقاً في العلاقة بين الدولة والمجتمع نحو شراكة تقوم على الوعي المدني والمسؤولية”.
كما اعتبر الأكاديمي أن “المشروع يكرس مبدأ سمو الدستور باعتباره المرجع الأعلى الذي تحتكم إليه السلط، إذ يخضع العمل التشريعي لرقابة قضائية لاحقة تضمن انسجام القوانين مع المبادئ الدستورية، وتمنح المحكمة الدستورية سلطة فعلية في حماية الحقوق والحريات، مما يعمق أسس الديمقراطية الدستورية ويعزز الثقة في دولة القانون”. وخَلُص إلى ضرورة أن “تستفيد الصيغة الحالية من التجربتين السابقتين المتعلقتين بالمشروع رقم 86.15 في صيغتيه الأولى والثانية، سواء على مستوى صياغة المواد أو في تحديد المساطر الدقيقة لتفعيل الحق في الدفع بعدم الدستورية”.


















0 تعليق