وجّهت فعاليات وجمعيات أمازيغية بالمغرب مذكرة إلى وزارة الداخلية تطلب فيها تعديل القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، بما يسمح بـ”تسهيل المساطر وشروط تأسيس الأحزاب الجديدة بالمغرب، أخذا بعين الاعتبار التحولات والتغيرات المتسارعة التي تعرفها الحياة ككل؛ ومنها الحياة السياسية للبلاد”.
ودعت المذكرة، التي اطلعت عليها هسبريس، إلى “إزالة اللبس والغموض اللذين يكتنفان المادة الرابعة من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، والتي تقول: يُعتبر باطلا كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، أو بصفة عامة على أي أساس من أسس التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان”، معتبرة أن “هذه الفقرة وسيلة للإقصاء والاستبعاد، حتى لو افترضنا القبول بها؛ فهي لم تُطبق أبدا على جميع الأحزاب الحالية، اللهم تفعيلها ضد كل القوى الأمازيغية التي تريد الاشتغال داخل المؤسسات بشكل غير مفهوم وواضح”.
وطالبت الوثيقة، التي حملت توقيع أكثر من 20 هيئة أبرزها “مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي” و”جمعية أمازيغ صنهاجة الريف”، بإدخال “تعديلات جوهرية على المادة السادسة التي تسرد شروط وإجراءات إعداد ملف تأسيس حزب جديد؛ مثل حذف الإدلاء بشهادة التسجيل في اللوائح الانتخابية التي تسلمها السلطة المحلية، من أجل الإدلاء بها كتابيا للسلطة نفسها التي سلمتها للمواطن، لأن ذلك يعيق ويصعب كثيرا إعداد ملف التأسيس”، مقترحة الاكتفاء فقط بصورة من البطاقة الوطنية للتعريف.
ودعت الفعاليات والهيئات الأمازيغية ذاتها إلى “إعادة النظر في شرط التوفر على المقر الوطني للحزب من أجل التأسيس؛ فعالم اليوم، وبحكم التطورات التكنولوجية الهائلة، لم يعد للمقرات الحزبية في طابعها التقليدي أهمية بالنسبة للشباب الحالي. فالاشتغال عن بُعد والتداول الرقمي والاجتماع بواسطة هذه الأدوات يفرض علينا مراجعة الكثير من وسائل الاشتغال باستمرار”.
واعتبرت الهيئات نفسها أن هذه المذكرة تنهل من الأسس المهيكلة لمرجعيتها؛ ومن أهمها الالتزام بروح الوثيقة الدستورية والخطب الملكية ومجمل المعاهدات والاتفاقيات والصكوك الدولية التي وافق عليها المغرب، إلى جانب “المرجعية الحضارية والثقافية الأمازيغية وتاريخ الممالك الأمازيغية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، والذي أنجب لنا اليوم رأسمالا لا ماديا عموده الفقري ثقافة وأعراف وقيم وأخلاق وسلوك يؤطر سير الحياة في مجتمعنا”.
وأشارت المذكرة إلى أن المشهد السياسي والحزبي بالمغرب يعاني من “أزمات بنيوية مركبة، تزداد حدة يوما بعد يوم، نتج عنها اتساع الهوة بين المواطنين والأحزاب السياسية التي تسعى لتمثيلهم وتأطيرهم والدفاع عن مصالحهم الحيوية”، مبرزة أن “المنظومة القانونية المؤطرة للمشهد الحزبي والانتخابي تُقِر بالاكتفاء بالأحزاب التقليدية التي أُسست على المرجعيتين الإيديولوجيتين اللتين استوردتهما الحركة الوطنية والحركة السلفية من الخارج قبيل الاستقلال. ومن ثَم سُدت الأبواب أمام المرجعيات والأفكار الجديدة التي أنتجتها الأجيال الحديثة”.
ولفتت الوثيقة سالفة الذكر إلى “انعدام الديمقراطية الداخلية في الأحزاب المسموح لها، وسيطرة العائلات السياسية مباشرة أو أصحاب المصالح الخاصة عبر هذه العائلات، وبالتالي بروز ظاهرة توريث المناصب السياسية وحتى الانتخابية للأبناء والزوجات وغيرهم من الأقارب والزبناء؛ مما أدى إلى نفور الشباب والنساء ولجوئهم إلى الاحتجاج في الشارع العام”.
وذكرت أن هذا الوضع أفرز نتائج سياسية ومؤسساتية عديدة؛ من بينها “عزوف فئات واسعة من الشعب المغربي عن الانخراط في الأحزاب بشكل عام، وتدني نسب المشاركة في الانتخابات، بما فيها تلك التي رُصدت لها ميزانيات خاصة، وتحكم بعض الأحزاب، أو بالأصح بعض العائلات، في الخريطة الانتخابية عبر استعمالها مسالك محظورة من قبيل أموال الفساد والوعود المزيفة والممارسات غير القانونية وتوزيع الامتيازات والرخص وغيرها من الأساليب التي أضرت بالعملية برمتها للظفر بالأغلبية الانتخابية”.
وأكدت الفعاليات الأمازيغية الموقعة على المذكرة أن “دور الأحزاب انتقل من مؤسسات للتأطير والتمثيل وإشاعة الوعي المواطناتي إلى مجرد آليات للوساطة وضمان موقع متقدم في توزيع المنافع والمكاسب المادية بالأساس؛ مما نتج عنه تآكل المشروعية الشعبية والمجتمعية للعمل السياسي بشكل عام”، مسجلة ما اعتبرته “ضعف مردودية المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتها البرلمان بغرفتيه، والمجالس الجهوية والإقليمية والمحلية، والغرف المهنية، وعدم قدرتها على المساهمة بفعالية في تسطير وتنفيذ برامج تنموية حقيقية وتقييم أثرها على السكان فيما بعد”.
ونددت بـ”تفشي سياسة الإقصاء السياسي واستبعاد الخصوم والمنافسين المحتملين، إذ تجلى ذلك بوضوح في حصار الحركة الأمازيغية سياسيا، رغم أنها فاعل ثقافي وحقوقي وسياسي له مصداقية لدى أوساط معتبرة داخل المجتمع المغربي، وفرض ديكتاتورية سياسية بمسطرة قانونية عبر عدم السماح للفعاليات الأمازيغية بممارسة حقها في المشاركة السياسية وفي القرار السياسي، وفرض مسلك واحد ضمني هو الانضمام إلى الأحزاب القائمة رغم تعارض مشاريعها مع أولويات وأفكار ومشروع الفاعلين المهتمين بالعمل السياسي داخل الحركة الأمازيغية”.
وختمت المذكرة بالتأكيد على أن “لا ديمقراطية بدون حرية، ولا حرية بدون مشاركة سياسية واعية وفعالة لجميع مكونات المجتمع المغربي بدون إقصاء أو تمييز، ويبقى صوت المواطن هو الفيصل، يرفع من شأن من يشاء، ويطيح بمن يشاء انتخابيا وسياسيا، وتبقى معه الإدارة في موقع المشرف المحايد الذي لا يزكي طرفا ضد آخر”.
0 تعليق