تُعدّ العطلة المدرسية محطة أساسية في المسار التعليمي للتلاميذ، إذ تمثل فترة استراحة بعد مجهود دراسي وفرصة لإعادة التوازن النفسي والجسدي واسترجاع الطاقة، غير أن التساؤل يظل مطروحًا حول كيفية التعامل المثلى مع هذه المرحلة، وما إذا كان المطلوب هو قطع الصلة بالدراسة بشكل تام من أجل الترفيه والراحة أم من الأفضل استثمارها في أنشطة المراجعة والتحضير للفترة المقبلة.
دراسة بعنوان “أثر العطلة المدرسية على التوازن النفسي والتجديد الذهني لدى المتعلمين”، نُشرت في المجلة المغربية لعلم النفس التربوي، أكّدت أن العطلة تمثل محطة ضرورية لاستعادة التوازن النفسي والذهني بعد فترات الجهد الدراسي، إذ أظهرت نتائجها أن أغلب التلاميذ يشعرون بتحسن المزاج والتركيز، وأن الأنشطة الترفيهية والاجتماعية تسهم في خفض القلق وتعزيز الدافعية للتعلم.
وفي المقابل أشارت المجلة العربية للتربية والتنمية البشرية، في دراسة بعنوان “دور العطلة المدرسية في تعزيز التعلم الذاتي واستمرارية التحصيل الدراسي”، إلى أهمية استثمار العطلة في المراجعة والإعداد للمراحل المقبلة، إذ أظهرت أن التلاميذ الذين خصصوا وقتًا منتظمًا للمراجعة تحسنت نتائجهم الدراسية، وأوصت بتبني أنشطة تعليمية معتدلة توازن بين الراحة واستمرارية التعلم.
المرونة والتوازن
جبير مجاهد، أستاذ وباحث في الشأن التربوي، قال إنّ “العطلة المدرسية تمثل مناسبة لمراجعة الذات وإعادة ترتيب الأوراق بالنسبة للتلاميذ”، موضحا أنّها “فرصة لتحقيق توازن بين الراحة النفسية والجسدية من جهة والمراجعة الهادفة من جهة ثانية، بما يسمح باستعادة النشاط الذهني وتخفيف الضغوط النفسية التي تراكمت خلال فترة الدراسة”.
وأضاف مجاهد، في تصريح لهسبريس، أن “المراجعة المنتظمة خلال العطلة تضمن عدم فقدان المكتسبات الدراسية، وتساعد التلاميذ على البقاء مواكبين عند بداية مرحلة الفروض التي تلي مباشرة العطلة البينية الأولى”، مشيرا إلى أنّ “الانقطاع التام عن المراجعة لا يخدم مصلحة المتعلم، بل يمكن استثمار العطلة في تنظيم الجهود بطريقة مرنة ومتوازنة”.
ودعا الباحث في الشأن التربوي إلى “تخصيص ساعة إلى ساعتين يوميا لمراجعة النقاط الصعبة وتنظيم الملاحظات، مع الحرص على تنويع المواد وتضمين فترات استراحة”، مبرزا أن “هذا الأسلوب يساعد التلميذ على العودة إلى الدراسة بنفسية أكثر ارتياحا وبقدرة أكبر على التحصيل والمواصلة بثقة وفاعلية”.
خصوصية العطلة البينية
مصطفى صائن، رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، قال إن “العطلة البينية في السياق المدرسي المغربي تشكل، من حيث مدتها وسياقها، لحظة يواجه فيها التلاميذ صعوبة في تحديد كيفية استثمارها بشكل متوازن”، مضيفا أنه “من الأنسب أن تُخصَّص العطل الدراسية أساسا للراحة الذهنية والنفسية، واستجماع القوى الجسدية، استعدادا لانطلاقة دراسية أكثر نشاطا وحيوية”.
وزاد صائن، في تصريح لهسبريس، أن “السياق التربوي المغربي يجعل التلاميذ وأسرهم أمام اختيارات متعددة، تتراوح بين مراجعة ما مضى من الدروس والتحضير للفروض والواجبات المنزلية المقبلة، أو الاكتفاء بالراحة الجسدية والذهنية”، مشيرا إلى أن “قصر مدة العطلة البينية يعقد هذه الخيارات، لأن أسبوعا واحدا لا يكفي لتحقيق كل المتطلبات، ما قد يجعل التلميذ يعود إلى مقاعد الدراسة مرهقا أكثر مما كان قبل العطلة، وهو ما يرفع منسوب القلق والتوتر، وقد يؤدي أحيانا إلى سلوكيات عنيفة في بعض الحالات”.
وأكد رئيس الفيدرالية أن “الواقعية تبقى الخيار الأمثل للاستفادة من المدة القصيرة للعطلة، وذلك عبر المزج بين تحضير الفروض المنزلية وأخذ قسط من الراحة والاستجمام”، لافتا إلى أن “الأمر يفرض على المشرع المدرسي إعادة تقييم إيقاعات العطل الدراسية ومددها، بما يضمن انسجامها مع باقي المكونات والإيقاعات التربوية”.
0 تعليق