كوكاس: السينما المغربية بنت قلق .. وجمود الأكاديميين يقابل بجرأة الشباب - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في يوم الخميس 8 أبريل 2010 نشرت جريدة هسبريس الالكترونية نص حوار مع الكاتب المغربي عبد العزيز كوكاس متحدثا عن طفولته… اليوم، بعد خمسة عشر سنة تعيد حوارا جديدا معه في فضاء يطلّ الناقد عبد العزيز كوكاس، بقلمه الحاد وصوته الذي لا يهدأ، ليهشّم كمامة الرضا الزائف، ويُعيد للسينما والنقد والجمهور المغربي قدر السؤال وروح الكرامة. ومن روائع كتاباته “للحكمة، لا يكفي الصمت”، الذي خرج من رحم المقالة الصحافية والإعلام الراهن، ومنها كُتب كثيرة، منها “حبل قصير للمشنقة” و”أحلام غير منتهية الصلاحية”، و”رائحة الله” وغيرها، التي تشكّل مرآة لرغبة لا تنضب كي يرى الواقع بعيون لا تتنازل عن الحقيقة، ولا تُخدع ببريق الشعارات. وهنا يمزج كوكاس بين الخبرة والذاكرة الجماعية، بين السخرية والتأمّل العميق، لا يكتب ليُتمدح، بل ليوقظ.

في هذا الحوار على منصة هسبريس الالكترونية، نريد أن ننحني أمام تجربة كوكاس الطويلة التي تفاجئنا في كل مقال، وفي كل تحليل، بأنه لا يهدأ حتى يعرف لماذا يُقال هذا الكلام وكيف يُقال. ونحن نتحدّث مع ناقدٍ وكاتب مخضرم رأى في السينما ليس مجرد صور، وإنما سجلّات متحركة لأسئلة الهوية، والسلطة، والجمهور، والخطيئة. فالسينما المغربية – كما يقول – بنتُ قلق وتردّد أكثر مما هي بنت نسق متماسك؛ وليست مجرد ترف فلكلوري، بل صناعة تتحوّل إلى شبكة كاملة من المعنى، ومن الحلم، ومن الانكسار، ومن المقاومة.

في هذا الحوار نسألُ: أين كانت الكرامة في السينما؟ وهل تغيّر جمهورنا فعلاً؟ وكيف تنبت الهوية البصرية وسط الفوضى؟ وما الذي أصبح ممكناً بعد أن صرنا نكتب ونُخرج ونعرض؟ وأسئلةٌ أكثر… لأنّ السؤال هو الزناد، وهو الكلمة التي تُحرّك الأشياء. واليوم، نبيّن كيف أن الظلال التي يرسمها كوكاس في كتاباته هي نفسها التي نراها تتبدد أو تُقاوم بأنفاسنا.

نص الحوار:

بعد مسار طويل من الكتابة النقدية، كيف تنظرون إلى خصوصية التجربة السينمائية المغربية مقارنة بالتجارب العربية والأفريقية؟

السينما المغربية بنتُ قلقٍ وتردّدٍ أكثر مما هي ابنة نسقٍ متماسك. فرادة السينما المغربية أنها ابنة التمزق، لا ابنة الاستقرار. ما يميزها هو هذه الهجنة: خليط من لغات وذاكرات، من ريفٍ جريح ومدنٍ متبرجة، من أمزجة تستعير من الغرب أدواته التقنية وتبحث في ذاتها عن معنى مغاير. بالمقارنة مع السينما المصرية مثلاً التي شُيّدت فوق صناعةٍ جماهيرية متوارثة، نحن أبناء تشققات صغيرة، لحظات متقطعة، لكن في هذا التقطع ذاته تكمن فرادتنا: أن ننتج صورًا لا تُشبه سوانا، صورًا ملغومة بالالتباس، مثل روحنا الوطنية التي لم تبرأ بعد من جراح الاستعمار ولا من أسئلة التحديث المعطوب.

أفلام مثل “السراب” لأحمد البوعناني أو “أحداث بلا دلالة” لمصطفى الدرقاوي وغيرهما حملت منذ السبعينيات قلقًا وجوديًا لم يكن مطروحًا في السينما المصرية التي تعتبر بنت صناعة كاملة، ولا في السينما التونسية التي كانت أوضح في خطابها السياسي. في المقابل، قدّم المغرب صورًا متشظية، مترددة، لكن مفعمة بالشعرية.

نتقاطع مع أفريقيا جنوب الصحراء في الذاكرة الشفوية، في الإيقاع الشعبي والطقوس، لكننا محكومون دائمًا بهذا التوتر بين الانتماء للمدينة المتسارعة والحنين إلى أصوات الحقول البعيدة. نحن أقرب إلى اليومي الممزق: الحواضر المتورمة، والقرى المنسية، والهوية المزدوجة بين الأمازيغية والعربية والفرنكوفونية. تلك الخصوصية هي ضعفنا وقوتنا في الآن ذاته.

ما هي خصوصية التجربة السينمائية المغربية مقارنةً بالعالم العربي والإفريقي؟

أنا لا أرى السينما المغربية كنسخة ناقصة من آخرين، بل ككيانٍ نشأ من التمزق الذي أشرت إليه سلفا. نحنُ نتكلم بأربع لغات في لقطةٍ واحدة، نُدخل الطقسيّ في المدينة، ونُحيل الرمز إلى يوميّات. مقارنةً بمصر المؤسسية أو بتجارب جنوب الصحراء التي بنت خطابًا طقسيًا/أرضيًا واضحًا، تجربتنا أُسست على هشاشة الهوية: نتيجةً لاحتضان عادات قديمة وسط تسارع حداثي لم يكتمل. هذه الهجنة تمنحنا إمكانيات سردية

فريدة، لكنها أيضًا عبء: لأننا نفتقر إلى تيارٍ متراكم ومنظومة سينمائية صناعية تنظّم الانتقال من التجريب إلى التأصيل.

إلى أي حد استطاعت السينما المغربية أن تُبلور خطابًا بصريًا وسرديًا يعكس التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية منذ الاستقلال؟

لم ننجح في أن نرسم ملامح خطاب مستقر، بل أنتجنا شذرات منه. بعض الأفلام الكبرى كانت بمثابة مرايا لمجتمع يتهشم تحت ضغط الحداثة، أو مراثٍ لجراح سنوات الرصاص، أو احتفاء بالقضايا النسائية الصامتة. لكنها تظل جزرًا معزولة، لا تيارًا جارفا. المشكل أن المؤسسات الرسمية لم تنظر إلى السينما يومًا كوثيقة جماعية عن زمننا، بل كترف أو وسيلة للترويج. لذلك ظل الخطاب البصري هشًّا.

ثمة أفلام صنعت شهادات حقيقية، “وشمة” لحميد بناني كتب قصيدة بصرية عن الانكسار الفردي في زمن جماعي محتقن، وقدّم فيلم “في انتظار بازوليني” لداود أولاد السيد تأملاً في علاقة المغرب بالآخر الغربي، ووثّق فيلم “العيون الجافة” لنرجس النجار عالم النساء المهمشات في الأطلس. هذه ليست مجرد حكايات بل علامات في مسار خطاب بصري يحاور السياسة والمجتمع. لكن هذا الخطاب لم يتراكم بما يكفي، ظل شذرات مضيئة في عتمة طويلة.

ظل النقد السينمائي المغربي في كثير من الأحيان مرتبطًا بالمهرجانات، هل ساعد ذلك على إغناء الخطاب النقدي أم قيده في فضاء مناسباتي؟

أعطت المهرجانات للنقد مقعدًا أمام الضوء لكنها حوّلته في الآن نفسه إلى حفل. صار النقد كثيرًا ما يُكتب في هوامش الكتالوجات والبرامج، لا في الكتب والمجلات المتخصصة. نعم، أغنت المهرجانات نقاشاتنا بفضل الاحتكاك بالتجارب السينمائية الأخرى، لكنها وضعتنا في فخ الزمن القصير: تعليق عاجل بدل تفكير بطيء. النقد يحتاج إلى مسافة، إلى صبر الباحث، لا إلى كرنفال.

لقد منحت المهرجانات النقد فرصة اللقاء بمدارس أخرى: في مراكش اكتشفنا أصوات آسيا وأمريكا اللاتينية، وفي طنجة ارتبطنا بتجارب المتوسط. لكنها قيدت النقد في لحظة احتفالية. خذ مثلًا النقاشات حول أفلام نبيل عيوش “عليزاوا”، “الزين اللي فيك” غالبًا ما كانت سجالاتها مرتبطة بالعرض في المهرجان أكثر من نقاش جمالي ممتد. احتفل النقد أو شجب، لكنه نادرًا ما أرسى تراكمًا معرفيًا منهجيًا.

تكتبون في النقد منذ عقود، كيف ترون تطور علاقة الجمهور المغربي بالسينما؟

أريد أن أؤكد أنني عاشق للسينما، وحين أكتب نقدا فمن هذه الزاوية، لا من باب التخصص، من هذا الباب أرى أن الجمهور تغيّر مثلما تغيّرت المدن نفسها. لم يعد الجمهور هو تلك الحشود التي كانت تملأ قاعات “روكسي” و“فوكس” و“الملكي”، صار جمهورًا افتراضيًا متشظيًا، يدخل الفيلم من شاشة هاتف أكثر مما يدخله من شاشة فضية. وعيه البصري أكبر، لكنه وعي استهلاكي في الغالب. لا تُغريه الجمالية العميقة إلا نادرًا. ومع ذلك، ما زلت أراهن على شرائح صغيرة، وفية، تعرف أن السينما ليست للتسلية فقط، بل للتفكير الجمالي العميق أيضا.

في السبعينيات والثمانينيات كان الجمهور يملأ القاعات ليشاهد أفلامًا مثل “حب في الدار البيضاء” لعبد القادر لقطع أو “غراميات الحاج مختار الصولدي” للدرقاوي، اليوم يستهلك صورًا على الهاتف أكثر مما يستهلكها في القاعة.

يقال إن غياب مدرسة نقدية مغربية متماسكة عائق حقيقي. ما رأيكم؟

لا تولد المدرسة النقدية من شغف الأفراد وحده، بل من مؤسسات ومعاهد وجامعات ومجلات مستقلة. ما ينقصنا ليس النقاد، بل التربة. هناك بذور كثيرة متناثرة، لكن بلا أرض تُجمعها. يمكن الحديث عن حساسية نقدية مغربية أكثر مما يمكننا الحديث عن مدرسة. هوية نقدنا تكمن في هذا التوتر بين الواقعي والرمزي، بين الاجتماعي والأنطولوجي، بين الأدبي والسينيفلي. هوية تتنفس بين مقالات متناثرة وأجيال متقطعة.

لم نمتلك مجلات راسخة بنفس طويل مثل “دفاتر السينما” الفرنسية، ولا معاهد قوية مثل المدرسة الفيلمية في براغ التي صاغت جيلاً كاملاً. لدينا محاولات: كتابات مصطفى المسناوي، نور الدين الصايل، أحمد البوعناني، عبد الإله الجوهري، واكريم وأسماء عديدة محترمة… لكنها أصوات فردية. لم تتراكم لتشكل مدرسة. ومع ذلك، يمكن أن نتحدث عن “حساسية نقدية” مغربية: تقرأ الفيلم من خلال البنية الاجتماعية (كما فعل المسناوي في تحليله لـ”وشمة”)، ومن خلال الرمزية الشعرية (كما عند البوعناني). هذه اللبنات يمكن أن تتحول إلى مدرسة إذا ما احتضنتها مؤسسات.

العلاقة بين المخرج والناقد، كيف تتصورونها؟

ليس الناقد قاضيًا ولا مشعوذًا. هو شريك في صناعة المعنى، وإنْ كان من خارج الورشة. يضيف الناقد للفيلم حياة أخرى، يقرؤه بما لم يقصده المخرج ويمنحه مسارات إضافية. في المغرب، العلاقة ملتبسة: بعض المخرجين يرون الناقد خصمًا يفضح عوراتهم، وآخرون يرونه حليفًا يمنحهم امتدادًا. شخصيًا أومن بأن الحوار وحده يجعل الاثنين يكملان بعضهما: الناقد يسائل، والمخرج يغامر، والجمهور يربح.

الناقد ليس مجرد قارئ خارجي، إنه يمنح الفيلم حياة أخرى. حين قرأ النقاد “يا خيل الله” لعيوش كسرد عن التهميش الذي يُنتج التطرف، صار الفيلم وثيقة جماعية لا مجرد قصة أطفال في الهامش. بدون النقد، الفيلم يتيم، يعيش فقط عمر عرضه الأول.

تكاثرت المهرجانات بشكل لافت، هل صنعت ثقافة سينمائية حقيقية؟

ليست كثرة المهرجانات بالضرورة غنى. كثير منها يتحول إلى حفل بروتوكولي، إلى صور للصحافة المحلية، أكثر منه ورشًا للتربية البصرية. ومع ذلك، من دون هذه المهرجانات، كانت سينمانا ستعيش عزلة قاتلة. هي ضرورة، لكنها ليست كافية. نحتاج أن نربطها بالمدارس، بالجامعات، بالقرى التي لم تر بعد شاشة بيضاء خارج التلفاز.

مهرجان مراكش فتح نوافذ على العالم، مهرجان طنجة ساهم في توثيق الإنتاج الوطني، مهرجان خريبكة جعلنا نكتشف إفريقيا. لكنها بقيت لحظات معزولة. كم من فيلم فاز بجائزة في المهرجان ثم اختفى؟ “ذاكرة معتقلة” لجيلالي فرحاتي مثلًا أثار نقاشًا واسعًا عند عرضه، لكنه لم يجد طريقه إلى الجمهور الواسع. إذن المهرجانات أنقذت السينما من النسيان، لكنها لم تصنع جمهورًا قارًا.

ماذا عن حضور المرأة في السينما المغربية؟

لم تعد المرأة موضوعًا فقط، صارت ذاتًا فاعلة خلف الكاميرا وأمامها. دخولها غيّر الصورة: صار الجسد يُرى من الداخل، والعلاقة بالحب والسلطة تُكتب من منظور آخر. صحيح أن الصور النمطية لم تختف بعد، لكنها تتآكل. تكتب الحساسيات النسائية فصلاً جديدًا، ببطء لكنه عميق.

فريدة بليزيد بأفلامها مثل “كيد النساء” وسعد الشرايبي من خلال “نساء ونساء” أعادت كتابة صورة المرأة المغربية بذكاء. نرجس النجار عرت الهامش النسائي في “العيون الجافة”، وكسرت ليلى المراكشي في “ماروك” صورة الطابوهات. حضورهن لم يغيّر فقط صورة المرأة على الشاشة، بل لغة السرد نفسها: صارت الكاميرا أكثر حميمية، أكثر جسارة في مقاربة تفاصيل الجسد والذاكرة.

مع التحولات الرقمية، هل النقد المغربي مواكب؟

نحن نعيش مفارقة: لدينا جيل يكتب في فيسبوك وتويتر بجرأة، لكن بلا أدوات نظرية متينة، جزئيًا فقط. هناك مبادرات على يوتيوب وبودكاست مثل تحليلات شبابية لأفلام أحمد بولان أو محمد مفتكر وغيرهما، لكنها في الغالب ارتجالية، بلا عمق منهجي. ولدينا جيل مخضرم يملك الأدوات، لكنه ظل حبيس الجرائد الورقية. لم يحدث بعد تلاقح بين الصرامة الأكاديمية وخفة المنصات. المستقبل ينتظر من يجسر هذه الهوة. النقد المغربي لم يستثمر بعد الثورة الرقمية بما يكفي. ما زال الخطاب مترددًا: إما انبهار سطحي بالصورة، أو جمود أكاديمي لا يصل إلى الجمهور. لن يكون المستقبل إلا لمن يجمع بين الصرامة النظرية وخفة المنصات.

ما هو الرهان الأساسي للسينما المغربية اليوم لتتحول إلى صناعة مؤثرة؟

الرهان الأكبر هو أن نكفّ عن اعتبار السينما نشاطًا فولكلوريًا. السينما صناعة حين تتحول إلى شبكة كاملة: كتابة سيناريو مؤسساتية، إنتاج مُمَوَّل باستقلالية، قاعات عرض حقيقية، ونقد متابع. إن لم نحقق هذا الرباعي، سنظل ننتج أفلامًا محلية جيدة لكنها بلا أفق عالمي. ليست السينما صورًا فقط، هي اقتصاد ومعنى وذاكرة. ورهاننا أن نُدخلها في قلب المشروع الثقافي للمغرب، لا على هوامشه.

الرهان مركزي: بناء منظومة متكاملة: كتابة، تمويل مستقل، بنية إنتاج، توزيع وقطاع عروض دائم، ونقدُ متخصص. صناعة حقيقية لا تولد من فيلم ناجح هنا أو هناك، بل من منظومة تدفع الإنتاج إلى الاستمرارية، وتحوّل الفن إلى اقتصاد ثقافي قادر على التصدير والاحتضان المحلي. بدون هذه الشبكة، نظلّ حِرفيين بارعين بلا أفق صناعي.

الرهان هو الانتقال من الفيلم إلى الصناعة. نحتاج إنتاجًا منتظمًا مثل ما فعل نبيل عيوش حين أنشأ استوديوهاته وفتح أبوابًا للشباب، نحتاج قاعات عرض مثلما نحتاج منصات محلية على شاكلة نتفليكس وطني. إذا لم نربط بين التمويل، البنية التحتية، النقد والجمهور، سنظل مجرد صُنّاع صور محلية. أما إذا نجحنا، فسنمنح للعالم صورة المغرب كما لم تُروَ من قبل. إذا استطعنا تجاوز أعطاب الدعم والتوزيع، وتحديث أدواتنا النقدية والتكوينية، يمكن للسينما المغربية أن تصبح صوتًا مسموعًا عالميًا. وإلا ستظل تراوح مكانها، بين محاولات لامعة وأعطاب بنيوية مزمنة.

التركيز على المواضيع السوداوية: اختيار إبداعي أم استجابة للمهرجانات وللدعم الخارجي؟

ثمة سببان يتقاطعان في هذه الظاهرة، أولاً، الواقع يُجبرنا على الكلام عن المآزق والمشاكل ذات الطابع الإنساني العميق (هجرة، فقر، عنف، حكرة…)، فذلك اختيار أخلاقي وجمالي. ثانياً، هناك سوق مهرجاني يُقدّر “المأساة العالمية” لأنها تلامس توقعات لجنة التحكيم الدولية، وبعد آخر مرتبط بالاستجابة للمؤسسات الأجنبية للدعم أو مخاطبة حساسية ثقافية غربية أساسا تركز على الحريات الفردية بمفهومها وتصورها الخاص لا وفق مسار تطور المجتمع المغربي وإكراهاته. الحلّ يكمن في أن ننتج أفلامًا حيث يصبح الظلام مادة فنية لا سلعة استعراضية. أفلام ترسم المغرب كحكاية فقر أو صراع تقاليد/حداثة قد تكون حقيقية جزئيًا، لكنها ليست كل الحقيقة. لذا يجب إنتاج أفلام متعددة الطبقات تقوّض الصورة الواحدة وتُرينا بوصلاتنا المتشابكة.

ما تقييمكم للعلاقة بين النقد الأكاديمي والنقد الصحفي؟

هذه الثنائية طبيعية لكن مؤلمة. يعطي النقد الأكاديمي العمق والمناهج فيما يمنح النقد الصحفي النفاذ إلى الجمهور وسرعة الاستجابة. المطلوب اليوم هو البحث عن تكامل: أن يتعلّم الأكاديمي كيف يكتب بلغة الجمهور، وأن يتعلم الصحافي أدوات التحليل المتين. وهذا يحتاج إلى مشاريع مشتركة، دورات تكوينية، ورشات، بودكاستات تجمع أستاذًا وصحافيًا مختصين في السينما، قادرة على خلق خطاب نقدي أقوى وأكثر شعبية في آنٍ معًا.

ما هي وصيتك النقدية للجيل الجديد من النقاد؟

أقول لهم كعاشق للسينما وبدون وصاية أبوية: لا تكونوا شهود زور على جمالٍ لا يملك عمقًا. اقرؤوا التاريخ قبل أن تكتبوا عن المعاصرة، تعلّموا لغات الصورة والنظرية والأدب، كونوا شجعانًا في مساءلة المؤسسات، لكن كريمين مع صانعي الأفلام الذين يجربون، اكتبوا للناس لا لجوائز التمجيد، امنحوا الوقت للفيلم كي يُولد قراءته، وأخيرًا، لا تسمحوا لأي منصّة أن تشتري حريّتكم النقدية. النقد عملُ حبٍّ وواجب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق