حظي التوجه الذي تدرسه وزارة العدل، القاضي بتحويل الأخطاء الطبية إلى إخلال بالمسؤولية المدنية، بتأييد تمثيليات نقابية للأطباء من القطاعين العام والخاص، لكنها شددت على أن “جوهر المشكل يتمثل أساسا في فراغ قانوني، ما يجعل مسؤولية الكادر الطبي والاختلافات بين المضاعفة والخطأ والحادث الطبي والجريمة مبهمة، ويتعيّن لسده أن يتم إخراج مدونة للمسؤولية الطبية”.
وقال وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الجمعة: “نناقش الآن أن نحول هذا الموضوع (الخطأ الطبي) إلى كونه مجرد إخلال مدني، أي أن يكون للمتضرر الحق في المطالبة المدنية وليس المطالبة الجنائية”، مقرا بـ”وجود نقاش حاد في هذا الموضوع”، ورجا أن يحيل القانون على البرلمان قبل مغادرته منصبه.
محمد أمين أوزيف، الكاتب العام الوطني للائتلاف الوطني للقطاع الحر، يرى أن “الخطوة التي تعتزم وزارة العدل القيام بها بشأن نقل ‘الأخطاء الطبية’ إلى المجال المدني مشكورة”، مستدركا بأن “الحاجة ماسة إلى نقاش شامل بين مختلف الفاعلين المعنيين في الموضوع ينتهي بإقرار مدونة للمسؤولية الطبية”.
ووضّح أوزيف، في تصريح لهسبريس، أن “ثمة فراغا قانونيا أساسا على هذا الصعيد، بحيث يتعيّن أن يتم أولا تعريف المسؤولية الطبية، والتفريق بشكل واضح بين المضاعفات والأخطاء، إذ كثيرا ما يتم تكييف المضاعفة على أنها خطأ طبي”، مُشددا على أن “مدونة المسؤولية الطبية ضرورية حتى يعرف الطرفان، الطبيب والمريض، ما لهما وما عليهما”.
ولفت المتحدث ذاته إلى تقدم التجارب القانونية المقارنة في هذا الصدد، موردا: “في فرنسا مثلا عندما يقع للمرض تعفن بعد 30 يوما من التدخل أو العملية تقع المسؤولية على المصحة لا الطبيب، أما ما فوق هذه المدة فيصبح كلاهما غير مسؤولين؛ في حين يتم اعتبار التعفن خطأ طبيا، ولذلك لا بد من تجزيء المفاهيم المتعلقة بالمسؤولية الطبية”.
وأضاف المصرح نفسه: “في بعض الدول توجد صناديق مخصصة لتعويض المرضى الذين يتعرضون للأضرار التي لم يثبت أنها ناتجة عن خطأ طبي أو غيره”، متابعا بأن “تنزيل هذه التجربة في المغرب سيكون مفيدا، على أن يساهم في الصندوق كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمريض بنسبة معيّنة، والمصحات والأطباء”.
من جانبه سجّل حمزة الإبراهيمي، الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة العمومية FDT بالمجموعة الصحية الترابية والوكالات الصحية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، أنه “يتعيّن على القانون أن يفصل بشكل واضح بين التقصير المرفقي والخطأ الناجم عن إضرار غير عمدي في قطاع الصحة”، مُشددا على أن “التعديل المنشود يستوعب أن يتم من داخل القانون الجنائي، أو بسّن قانون جديد مرتبط بالممارسة الطبية والتمريضية”.
ويوضح الإبراهيمي، في تصريح لهسبريس، أنه “يتعيّن أن يتم إقرار مدون للمسؤولية الطبية، مع مقتضيات قانونية موضحة لمجالات الخطأ وكيفية الإضرار غير العمدي”، مشددا في الآن نفسه على “ضرورة تجويد القانون رقم 131.13 المتعلق بمزاولة وممارسة مهن الطب، من خلال التدقيق بشأن الأخطاء الطبية”.
وأردف المتحدث في الإطار ذاته بأن “الفراغ القانوني هو ما جعل عددا من الممرضين وتقنيي الصحة وغيرهم عرضة للمحاكمات أخيرا”، مؤكدا أن “هذا الإشكال العميق يتعيّن حله”.
وفي الآن نفسه لا يمكن، وفق الإبراهيمي، “فصل مسألة الأخطاء الطبية عن الإشكالات التي تعرفها المنظومة الصحية الوطنية، من ضعف لعدد الموارد البشرية وللتغطية المجالية ونقص المستلزمات والتجهيزات”، وأوضح أن “الإضرار غير العمد يقع أحيانا ليس نتيجة عدم احترام الضوابط المعمول بها، بل بفعل هذه الإشكاليات”.
0 تعليق