“هل سيصبح المغرب ساحة معركة في حرب تجارية عالمية؟”؛ هكذا تساءل المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية، المعروف باسم “تشاتام هاوس”، معنونا مقالا تحليليا لأحمد أبو دوح، الباحث الزميل المشارك في “برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، الذي خلُص ضمن المقال إلى أن “المغرب يُوفر جسرا بالنسبة لصانعي السيارات الكهربائية الصينيين إلى الأسواق الغربية”، مستدلا بأن “زيارة الرئيس الصيني شي إلى المملكة في أواخر نونبر الماضي، رغم قِصر مدتها؛ فهي تبين مدى الأهمية التي توليها الصين لهيمنتها على هذه الصناعة”.
وحاجَجَ الباحث ذاته بأن “المغرب قد يصبح نقطة ساخنة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ لكن استراتيجياته لحماية مصالحه وتجنب العواقب قد توفر دليلا يمكن لبلدان أخرى في الجنوب العالمي أن تحذُو حذوه”.
وفي تحليل مخصص للمغرب، استنادا إلى المشاريع المشتركة بين المملكة المغربية والصين، تطرق الباحث أبو دوح إلى معطيات تفصيلية كثيرة، مقدما “حججا قوية حول الاستراتيجيات التي ينفذها المغرب لحماية مصالحه وتنويع نطاق شركائه الاقتصاديين”، مشيرا إلى أن “هذه الاستراتيجيات يمكن أن تكون نموذجا يحتذى به بالنسبة لبلدان أخرى في الجنوب”.
وسلط المعهد الملكي للشؤون الدولية الضوء، من خلال التحليل ذاته، على مكانة المغرب في “رقعة الشطرنج التجارية الدولية الجديدة”؛ حيث الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في حرب تجارية مع الصين، قد تتزايد حدتها مع “رسوم ترامب” التقييدية وتشجيعه على نهج سياسات حمائية “أكثر تشددا”.
واستند الباحث المتخصص في الشأن الصيني على دلالة زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى المغرب لدى عودته من قمة مجموعة العشرين التي عقدت في البرازيل نونبر الماضي، متناول بالتحليل “رمزية الزيارة”؛ مسجلا في هذا الصدد أن الزيارة تشهد على “بروز هذا البلد الشمال إفريقي (المغرب) كساحة معركة في الحرب التجارية القادمة بين القوى العظمى”.
وقرأت الورقة التحليلية في زيارة الزعيم الصيني واستقباله من لدن ولي العهد الأمير مولاي الحسن “إشارة بالغة الدلالة على الأهمية التي توليها الصين لحماية هيمنتها في مجال صناعة السيارات الكهربائية”، هذه الأخيرة التي “تمر ضرورة عبر المغرب وتشمَلُه سلاسل إنتاجها”.
وأورد التحليل، الذي طالعته جريدة هسبريس، أنه “في مواجهة السياسات الحمائية ضد الصين في الولايات المتحدة وأوروبا، تتجه بكين إلى انتهاج النقل إلى الخارج.. إذ سيتعين على المُصنعين الصينيين البدء في نقل عملياتهم إلى الخارج لتجنب قيود التصدير الجديدة؛ وبالتالي الاستمرار في إمداد الأسواق الأوروبية والأمريكية… وهنا يصبح المغرب “حلقة وصل أساسية في استراتيجية إمبراطورية الوسط”.
وفقا لمعهد “Chatham House”، تمتلك المملكة كل ما يَلزم لتلعب “دور منصة التصدير إلى أوروبا وأماكن أخرى”، مستدلة بـ”وجود 72 في المائة من احتياطيات الفوسفاط في العالم والعديد من المعادن الأخرى الضرورية لإنتاج البطاريات، فإن المملكة تهيئ نفسها بالفعل لتصبح مركزا عالميا لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية”.
كما يتمتع المغرب، أيضا، بـ”البنية التحتية والمنصة الأكثر تطورا في مجال صناعة السيارات في إفريقيا”، بالإضافة إلى مقومات أخرى تشمل “شبكة نقل برية وسكك حديدية متطورة وقوى عاملة ماهرة”. في السياق أكد المركز البحثي، ومقره لندن: “يضاف إلى هذه المزايا إطار ناضج للحكامة الصناعية والاستقرار السياسي والاجتماعي، ودينامية الانفتاح الاقتصادي”، وكلها عوامل تجعل من المغرب وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب.
ويدفع التحليل بأن “استراتيجية المغرب التجارية تتطلب قدرا كبيرا من اللياقة واللباقة”. وفقا لمركز الأبحاث ذاته، “يمكن لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب والولايات المتحدة الأمريكية والمفوضية الأوروبية أن تتخذ تدابير جديدة ضد الاستثمار الصيني في السيارات الكهربائية في بلدان ثالثة، بما في ذلك المغرب.
وحسب “تشاتام هاوس”، فإن هذا الأمر “ربما يفسر على الأرجح عزوف المغرب عن الانضمام إلى تحالفات، مثل ‘مجموعة البريكس’ التي تقودها الصين على وجه الخصوص؛ في حين أن الجارة الجزائر كانت تراهن على ذلك قبل أن يتم رفضها بشدة”.
وبالتالي، خلص الباحث قائلا: “قد يبرُز المغرب كبؤرة تركيز (ساخنة) في حرب تجارية قادمة. وقد يخلق ذلك تحديات كبيرة؛ ولكن إذا ما تمكنت من حماية مصالحها وخرجت سالمة من هذه الأزمة دون أن تصاب بأذى، فإنها تُوفر دليلا يمكن أن تحذو حذوه بلدان أخرى من الجنوب العالمي”.