تُعد اللغة الأمازيغية جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية المغربية، وقد قطعت خطوات هامة نحو الاعتراف الرسمي بها من خلال دستور 2011 والقوانين اللاحقة. غير أن هذه الخطوات لم تنعكس بشكل ملموس في المنظومة التعليمية، حيث يواجه إدماج هذه اللغة تحديات عديدة تعيق تعميمها واستقرار وضعية أساتذتها. وهو ما دفع هؤلاء الأساتذة إلى الاحتجاج، اليوم الاثنين، أمام مقر وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالرباط، من أجل إيصال صوتهم والمطالبة بمعالجة التحديات التي تواجههم، بدءًا من ضعف التعميم وصولا إلى غياب الدعم المؤسسي، وبإصلاح الاختلالات التي تعيق تطور هذه اللغة في المؤسسات التعليمية.
وندد الأساتذة الغاضبون خلال الوقفة التي دعت إليها التنسيقية الوطنية لأستاذات وأساتذة اللغة الأمازيغية بالمضايقات التي يتعرضون لها، وبـ”السياسة الارتجالية” التي تنتهجها الوزارة الوصية على القطاع، التي وجهوا إليها انتقادات حادة من خلال مجموعة من الشعارات والهتافات التي رفعوها، مثل: “لا ديمقراطية بدون أمازيغية”، و”لغتنا هي نحن، إذا ماتت نموت”، و”ألي ديكاج.. ألي ديكاج وزارة الديبناج”، إضافة إلى شعارات باللغة الأمازيغية تطالب بكرامة وحقوق أساتذة “تمازيغت”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قالت سارة الزبير، عضو التنسيقية الوطنية لأساتذة اللغة الأمازيغية، إن “هذه الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها التنسيقية وإطارات الحركة الأمازيغية، تأتي من أجل التنديد والاحتجاج على الوضع الهش والكارثي الذي تعيشه اللغة الأمازيغية داخل المؤسسات التعليمية وداخل المنظومة التربوية ككل، وكذلك الوضع غير المستقر الذي يعيشه أساتذة الأمازيغية بحكم طريقة استغلالهم والغلاف الزمني المخصص للتدريس”.
وأضافت الزبير أن “اللغة الأمازيغية تم إدماجها في المنظومة التعليمية منذ سنة 2003، وصولًا إلى صدور القانون التنظيمي في شتنبر من عام 2019، الذي يشرح طريقة وآجال تفعيل طابعها الرسمي في مجالات الحياة ذات الأولوية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم. وقد أشارت مواد القانون ذاته إلى أنه يجب تعميم الأمازيغية في السلك الابتدائي في ظرف خمس سنوات من صدور القانون التنظيمي، وهو ما لم يتحقق نهائيًا رغم استيفاء هذا الأجل”.
وشددت المتحدثة على أن “حصيلة إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم غير مرضية، إذ لم تفِ الوزارة بوعودها ولا تحترم حتى القانون التنظيمي، مما أدى إلى نتائج عكسية وسلبية على أرض الواقع”، مشيرة إلى أن “الأساتذة والأستاذات خرجوا في هذه الوقفة لإسماع صوتهم للجهات الوصية، رغم أنهم خاضوا مجموعة من المعارك النضالية وطرحوا جملة من المشاكل التي يعانون منها، لكن دون أي نتيجة تُذكر في ظل مواصلة الوزارة الوصية على القطاع انتهاج سياسة الآذان الصماء تجاه مطالب أساتذة اللغة الأمازيغية”.
من جهته، أورد جمال الدين بلحاج، أستاذ مكوّن بالمركز الجهوي للتربية والتكوين بطنجة-تخصص الأمازيغية، أن “وضعية اللغة الأمازيغية وأساتذتها داخل المنظومة التربوية مزرية، بسبب تراكم المشاكل منذ سنوات”، مشيرا إلى أن “أساتذة هذه اللغة أصبحوا أساتذة من الدرجة الرابعة بحكم التراجعات الخطيرة في مجال إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية، وخاصة مع المشروع الجديد الذي يسمى المدرسة الرائدة، الذي أُقصيت منه وأُقصي معه الأستاذ نفسه”.
وتابع بلحاج، ضمن تصريح لهسبريس، بأن “إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم جاء في إطار المصالحة مع الذات المغربية وهويتها؛ فالملك محمد السادس هو الذي أعطى الانطلاقة لهذا الإدماج. ثم إن المنهاج الدراسي هو الذي يحدد الوعاء الزمني لكل مادة، غير أن بعض المديرين والمفتشين يفعلون ما يريدون ويأخذون من الزمن المخصص للأمازيغية من أجل استثماره في تدريس مواد أخرى، كما لو أن اللغة الأمازيغية لا يوجد من يحميها، بالرغم من أنها مُدسترة منذ سنة 2011”.
وذكر المتحدث ذاته أن “وزارة التربية الوطنية تتهرب من ملف الأمازيغية وتحاول إيجاد تبريرات واهية للتراجعات التي تعرفها”، معتبرا أن “هذه الوزارة لا تملك رؤية موحدة بخصوص هذا الأمر؛ إذ يتعامل مديرو المؤسسات والمديرون الإقليميون وكذلك المفتشون ومديرو الأكاديميات مع تدريس الأمازيغية بشكل شخصي وبمنهجية إقصائية لا تستند إلى ما هو رسمي ومؤسساتي، بل تستند إلى مزاجية المسؤولين”.
وبيّن بلحاج أن “الوزارة لم تُبدِ اهتماما ولم تتجاوب مع مناشدات ومطالب أساتذة الأمازيغية من أجل إعادة النظر في سياستها وإنصاف الأمازيغية وإدخالها في مشروع المدارس الرائدة، لكي تستفيد هي الأخرى من حيز زمني أوسع ومن الوسائل اللوجستية التي يتم توفيرها لتدريس المواد الأخرى”، لافتا إلى أن “أستاذ اللغة الأمازيغية يعاني من عنصرية لغوية مقيتة تُمارَس عليه من طرف بعض المديرين والمفتشين”.