أعلن وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، الجمعة، أن الوزارة تعتزم إطلاق برنامج وطني مندمج لدعم التبرع وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية، بشراكة مع جميع الأطراف المعنية، من بين أهدافه إدراج عمليات الزرع والأدوية المرتبطة بها ضمن الخدمات المشمولة بالتعويض في نظام “أمو” وإحداث هيئة مركزية للتنسيق وتتبع سجلات المتبرعين والمستفيدين.
وقال التهراوي في كلمته خلال اللقاء الذي عقده المجلس الاستشاري لزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية لإطلاق “مبادرة الكوادر الطبية المتبرعين بالأعضاء” بكلية الطب والصيدلة بالرباط، ألقاها نيابة عنه عبد الكريم مزيان بلفقيه، الكاتب العام للوزارة، أن مناسبة اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء تحمل “توقيعا خاصا” في ظل “الإصلاحات الكبرى” التي تشهدها المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس في مجالي الحماية الاجتماعية وإعادة هيكلة المنظومة الوطنية للصحة.
وأضاف الوزير، أن “هذين الورشين التاريخيين يسعيان إلى هدف مشترك يتمثل في جعل الحق في الصحة حقا فعليا وشاملا، ووضع الكرامة الإنسانية في صميم السياسات العمومية”.
وفي هذا الإطار، ذكر التهراوي أن “التبرع وزراعة الأعضاء يجسدان بأوضح صورة هذه الفلسفة، من خلال الربط بين الحماية الاجتماعية وصون الحياة، وجعل الحق في الصحة أسمى تعبير عن الكرامة الإنسانية”.
برنامج وطني
وأعلن الوزير أنه على الصعيد الوطني، “تعتزم وزارة الصحة مواصلة جهودها عبر إطلاق برنامج وطني مندمج لدعم التبرع وزرع الأعضاء والأنسجة، بشراكة مع جميع الأطراف المعنية”.
وأوضح أن البرنامج يهدف إلى “تعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي”، و”تبسيط إجراءات التسجيل والموافقة على التبرع”، مع “ضمان مجانية وشفافية” العملية.
وفي هذا الصدد، سيتم بموجب البرنامج “إدراج عمليات الزرع والأدوية الخاصة بها ضمن الخدمات التي يشملها التعويض في نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO)”.
ويهدف البرنامج، وفق كلمة الوزير، كذلك إلى “إحداث هيئة مركزية للتنسيق تتولى توحيد الإجراءات، وتعزيز تتبع سجلات المتبرعين والمستفيدين من الزرع، وضمان الإنصاف في الولوج إلى عمليات الزرع في جميع ربوع المملكة”.
انخراط عالمي وترسانة قانونية
أما على الصعيد الدولي، “فسيواصل المغرب العمل بتنسيق مع الهيئات الإقليمية ومتعددة الأطراف من أجل تفعيل القرار رقم 4WHA77.4 الصادر عن منظمة الصحة العالمية، والمشاركة الفاعلة في الاستراتيجية العالمية المقبلة حول التبرع بالأعضاء وزرع”.
وشدد التهراوي على أن المملكة “تنخرط بشكل كامل في هذه الدينامية العالمية، لأن وضعها لا يُعد استثناء؛ فهي تعاني بدورها من التحدي العالمي المتمثل في ندرة التبرع مقابل حجم الحاجات المتزايدة”.
ولفت وزير الصحة والحماية الاجتماعية إلى أن المغرب “أرسى منذ عقود الأسس القانونية والمؤسساتية لزراعة الأعضاء”، مشيرا إلى القانون رقم 16.98، الذي “جاء ليؤطر بشكل واضح عملية التبرع بالأعضاء وأخذها وزرعها، مع ضمان احترام الكرامة الإنسانية ومبدأ مجانية التبرع”، ونصّ على “الدور المحوري للمجلس الاستشاري لزرع الأعضاء والأنسجة البشرية، المكلّف بضمان الانسجام والشفافية والأخلاقيات في هذا المجال”.
منذ ذلك الحين، يردف المصدر: “طوّرت الفرق الطبية المغربية خبرة معترفا بها في عدة تخصصات، من بينها زرع الكلية، وزرع الكبد، وزرع القلب، وزرع القرنية، خصوصا داخل المراكز الاستشفائية الجامعية”، مفيدا بأن “هذه العمليات، التي أُنجزت بنجاح كبير، مكّنت من إنقاذ حياة المئات من المرضى أو تحسينها، كما عزّزت ثقة المواطنين في كفاءة النظام الصحي الوطني وقدرته على التحكم في التقنيات الطبية المتقدمة”.
تحديات قائمة
واستدرك الوزير بأن “هذه المكتسبات ما تزال دون مستوى الطموحات؛ إذ إن عدد المرضى المنتظرين لعمليات الزرع، من أطفال وبالغين، لا يزال مرتفعا”، مبرزا أن “حالات التبرع بعد الوفاة نادرة جدا، وتظل غالبية عمليات الزراعة معتمدة على تبرع أشخاص أحياء، في الغالب من داخل الأسرة”.
وأضاف أن “عدد المسجلين في سجلات المتبرعين المتطوعين يبقى ضعيفا، رغم الجهود الكبيرة المبذولة في مجال التوعية”.
وعزا ذلك إلى “ضعف ثقافة التبرع، أو الجهل بالإطار القانوني المنظم له، أو التحفظات الروحية والشخصية”، وهي “عراقيل لا يمكن تجاوزها إلا من خلال عمل جماعي، تربوي ومستدام”.
لذلك، يرى التهروي أنه “رغم وجود الأسس القانونية والمؤسساتية، يبقى من المسؤولية الجماعية التأكيد على البعد الإنساني والمواطني لهذا الفعل النبيل، حتى تصبح عمليات الزرع ممارسة متاحة وعادلة في جميع أنحاء المملكة، لأن الكرم الإنساني يظل، في ظل ما بلغته المعرفة والتكنولوجيا، المورد الأثمن على الإطلاق”.
وأشاد الوزير بالمناسبة “بالدعم المتواصل الذي يقدمه المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لما تمثله آراؤهما المستنيرة من مساهمة قيّمة في تبديد الشكوك وتأكيد شرعية التبرع بالأعضاء، ما دام قائما على الطوعية، والإيثار، وعدم الكشف عن الهوية، وخاليا من أي مقابل مادي”.
0 تعليق