يعيش المواطن المصري مشهد اقتصادي ضبابي تتقاطع فيه ضغوط الأسعار مع ضعف الدخل، الأمر الذي حد من سلوكيات ط المستهلك وجعله أكثر تحفظا من أي وقت مضى، إذ أصبح يشتري أقل مما اعتاد، في محاولة لموازنة قدرته الشرائية مع موجات الغلاء المتتالية.
هذا التراجع في الإنفاق الاستهلاكي لم يمر دون أثر، بل انعكس بوضوح على أداء الشركات والأسواق، ليمتد صداه إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي التي بدأت تعكس تباطؤا ملموسا في النشاط غير النفطي داخل مصر.
مؤشر المشتريات يواصل الهبوط
وكشفت أحدث تقارير مؤسسة "إس آند بي جلوبال" أن القطاع الخاص غير النفطي في مصر يواصل مسار الانكماش للشهر السابع على التوالي، في إشارة إلى أن الشركات باتت تبيع وتنتج كميات أقل نتيجة انخفاض الطلب المحلي، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة السوق على استعادة نشاطه في ظل تراجع القوة الشرائية وتزايد الضغوط الإنتاجية.

التقرير الشهري الصادر عن مؤشر مديري المشتريات (PMI)، وهو الأداة التي تقيس نبض النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص غير النفطي، أظهر أن المؤشر سجل في سبتمبر 48.8 نقطة مقابل 49.2 نقطة في أغسطس، ما يعني استمرار التراجع في حركة المشتريات والإنتاج داخل السوق المصري.
ويعد المؤشر انعكاسا مباشرا لحالة الاقتصاد، فإذا تجاوز مستوى 50 نقطة فهذا يعني توسعا ونشاطا اقتصاديا، أما إذا هبط دونها، فيشير ذلك إلى انكماش وتراجع في دورة الأعمال، ويستند في نتائجه إلى استطلاع رأي نحو 400 شركة من القطاع الخاص، يجري فيه قياس خمسة محاور رئيسية هي:
- الطلبات الجديدة
- الإنتاج
- التوظيف
- مواعيد تسليم الموردين
- مخزون المشتريات
تراجع الطلبات وتحسن محدود في التكاليف
أفادت الشركات المشاركة في المسح أن الطلبات الجديدة انخفضت بشكل ملحوظ، مع اتجاه المستهلكين إلى تقليص مشترياتهم بسبب ضعف القوة الشرائية، في المقابل، برز جانب إيجابي نسبي تمثل في تراجع تكاليف الإنتاج، بفضل تحسن سعر صرف الجنيه أمام الدولار مؤخرا، ما جعل الواردات أرخص نسبيا وخفف جزئيا من أعباء التكلفة على بعض القطاعات.

لكن ورغم هذا التحسن المحدود في قيمة الجنيه، فإن الطريق ما زال مليئا بالتحديات، فرفع أسعار الطاقة الموجهة للصناعة، إلى جانب الترقب لزيادة أسعار الوقود خلال الفترة المقبلة، قد يعيدان الضغط على الشركات ويقيدان محاولاتها للعودة إلى النمو مجددا.
نقطة اختبار حقيقية للاقتصاد المصري
يرى مراقبون أن الاقتصاد المصري يقف الآن عند نقطة اختبار دقيقة، فإما أن ينجح في التقاط أنفاسه واستعادة النشاط تدريجيًا مع تحسن بعض المؤشرات النقدية، أو أن يتحول هذا التباطؤ الممتد إلى ركود فعلي إذا استمرت الضغوط التضخمية وتراجع الطلب المحلي.
وبين هذا وذاك، تبقى الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالكشف عما إذا كان الاقتصاد المصري يسير نحو التعافي، أم أنه يدخل مرحلة أكثر صعوبة تتطلب سياسات أكثر توازنا لتحفيز الإنتاج وتحريك السوق من جديد.
0 تعليق