أخبار عاجلة
تحقيق حول وفاة أربعة مرضى بالرباط - بلس 48 -
لمباركي رئيسا لمجموعة التوزيع بالعيون - بلس 48 -

دار المسنين في تازة .. ملاذ ورعاية - بلس 48

في زمن باتت فيه القيم تباع وتشترى، نرى مشهدا مؤلما يتكرر حين يرمى بعض الآباء والأمهات في دور المسنين وكأنهم أوراق قديمة عفا عنها الزمن، أوراق لم تعد صالحة في عيون من كانوا لهم يوما سندا وعونا، هؤلاء الآباء الذين أفنوا أعمارهم في التضحية، ورسموا دروب الحياة لأبنائهم، يقابلون بالجحود والهجر، وكأن كرامتهم لا تساوي شيئا عند من سهروا على راحتهم لسنوات.

يرى عدد من المواطنين، استقت جريدة هسبريس الإلكترونية آراءهم في الموضوع، أن الأبناء الذين يجحدون فضل آبائهم، ويختارون أن يتخلصوا منهم كما يتخلصون من عبء ثقيل، هم “مساخيط الوالدين” بالفعل، موضحين أن هؤلاء الذين نسوا أو تناسوا أن العناية بالآباء ليست مجرد واجب، بل هي شرف ومسؤولية، هم من فقدوا إنسانيتهم قبل أن يفقدوا بركة والديهم.

“مساخيط الوالدين هم أولئك الذين لم يدركوا أن الكرامة لا تقاس بمقدار الجهد المبذول”، يقول سعيد الحسناوي، فاعل جمعوي بمدينة تازة، “بل بمقدار الحب والعرفان”، متسائلا: “كيف لهم أن ينسوا تعب السنين الذي حمله آباؤهم على أكتافهم؟ كيف يجرؤون على التخلي عنهم في لحظات ضعفهم وهم من منحهم القوة في كل لحظة مضت؟ إنهم يرمون بآبائهم كما ترمى أشياء فقدت قيمتها، غير مدركين أنهم بذلك يسقطون عن أنفسهم أثمن ما يملكون: إنسانيتهم وكرامتهم”.

في مشهد يجسد قيم التضامن والتكافل الاجتماعي التي يتميز بها المجتمع المغربي، يقف قصر المسنين بمدينة تازة شامخا كمنارة للعمل الإنساني النبيل، حيث يوفر ملاذا آمنا وبيئة عائلية دافئة للمسنين الذين فقدوا سند العائلة. هذا الصرح الاجتماعي النموذجي، الذي تم تشييده من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يعد تحفة معمارية وإنسانية تجمع بين فخامة البناء وجودة الخدمات ودفء المشاعر.

وأجمع عدد من العاملين بهذا القصر الإنساني أن رعاية المسنين ليست مجرد توفير مأوى ووجبات طعام، بل هي رسالة إنسانية متكاملة تهدف إلى إعادة الابتسامة والأمل لمن فقدوا سند العائلة، مؤكدين أنهم حريصون منذ افتتاح المؤسسة على توفير كافة سبل الراحة والرعاية الشاملة للنزلاء، مع التركيز بشكل خاص على الجانب النفسي والاجتماعي.

وتتميز هذه المؤسسة الاجتماعية بتصميمها المعماري الفريد الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، كما تشتمل على حديقة واسعة مزينة بأشجار وورود تبعث البهجة في نفوس المقيمين، وقاعات للترفيه والأنشطة الاجتماعية، ومصلى، ومكتبة، وعيادة طبية متكاملة.

المسؤول على دار المسنين بمدينة تازة صرح لهسبريس بأن المؤسسة توفر رعاية طبية متكاملة على مدار الساعة، مع فريق طبي متخصص، كما تقوم بمتابعة دورية للحالة الصحية لكل مقيم، مع توفير الأدوية اللازمة، بالإضافة إلى الإيواء والإطعام، موضحا أن “هؤلاء هم بمثابة آبائنا، الاعتناء بهم يساوي الاعتناء بوالدينا”، بتعبيره.

وفي تصريح لهسبريس، قالت إحدى المقيمات في دار المسنين وهي تتحدث عن تجربتها والدموع تملأ عينيها: “بعد وفاة زوجي وتخلي أبنائي عني، ظننت أن الحياة قد انتهت، لكنني وجدت في هذا المكان عائلتي الثانية”، مضيفة: “الطاقم هنا يعاملنا كأننا أمهاتهم وآبائهم، يستمعون إلينا، يضحكون معنا، ويشاركوننا أفراحنا وأحزاننا، لم أعد أشعر بالوحدة أو الحزن”.

المسؤول المكلف بإدارة المؤسسة أشار إلى الدور المهم للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إنجاح هذا المشروع، قائلا: “لقد وفرت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دعما ماليا سخيا لتشييد وتجهيز هذا الصرح الاجتماعي النموذجي، الذي يعتبر مفخرة لمدينة تازة والمغرب ككل”، مضيفا: “نحن نعمل بشراكة مع مختلف المؤسسات الحكومية والجمعيات المدنية لضمان استمرارية وجودة الخدمات المقدمة لهذه الفئة الاجتماعية”.

من جهته، قال مقيم آخر بهذه المؤسسة في حديث لهسبريس: “أقضي أيامي هنا في جو من الطمأنينة والراحة. أستيقظ صباحا لأداء الصلاة في المسجد الجميل، ثم أتناول فطورا شهيا مع إخواني وأخواتي المقيمين. نقضي النهار في أنشطة متنوعة، نتبادل الأحاديث والذكريات. في المساء، نجلس في الحديقة نستمتع بالهواء النقي ونشاهد غروب الشمس. لم أكن أتخيل أن أجد مثل هذه الحياة الكريمة في شيخوختي”.

وتولي المؤسسة اهتماما خاصا بالتغذية الصحية للمقيمين، إذ يشرف طاقم متخصص من الطهاة على إعداد وجبات متوازنة تراعي الاحتياجات الغذائية الخاصة لكل مقيم. كما تتوفر المؤسسة على مطبخ حديث مجهز بأحدث المعدات، وقاعة طعام واسعة، ومجموعة من المرافق الأخرى المخصصة للتطبيب والتنشيط وغيرها.

وتبقى دار المسنين في تازة مثالا حيا على العمل الإنساني والتكافل الاجتماعي، حيث يلتئم جرح الهجران والعزلة في حضن دافئ يعيد للأمهات والآباء كرامتهم المفقودة، ورغم قسوة الحياة التي أودت بالبعض إلى هذه الدار، إلا أن الرعاية المتكاملة والاهتمام الإنساني يعيدان لهم بعضاً من الأمل، ليعيشوا أيامهم الأخيرة بكرامة وراحة.

“في خضم الحياة المادية التي باتت تطغى على القيم الإنسانية، ينسى بعض الأبناء أن أعظم ما قد يحمله الإنسان في قلبه هو بر الوالدين”، يقول الحاج محمد الإدريسي، إمام مسجد، موضحا أن هؤلاء الذين يتجاهلون فضل آبائهم ويختارون أن يرموا بهم في دور المسنين “سيتحملون مسؤولية هذا الفعل أمام الله يوم القيامة”، مؤكدا أن “الله عز وجل قد أمر في كتابه الكريم بالإحسان إلى الوالدين، وقال في محكم التنزيل: [وَقَضَى رَبكَ أَلَّا تَعْبدوا إِلَّا إِيَّاه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”] (الإسراء: 23)، فكيف بمن يتخلى عنهم في سنوات ضعفهم وحاجتهم؟”، وفق تعبيره.

وأضاف الإمام ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الأبناء الذين يعتقدون أن الحياة ستستمر لهم بدون حساب، ويظنون أن بإمكانهم تجاهل واجبهم تجاه آبائهم، سيجدون أنفسهم يوما ما واقفين أمام الله، يُسألون عن جحودهم”، مضيفا: “تلك اللحظات التي رمى فيها الأبناء بآبائهم في دور المسنين كمن يتخلص من عبء، لن تمر دون حساب، فالله سبحانه وتعالى لا يغفل عن ظلم أحد، وسيحاسب كل من قصر في حق والديه، لأن بر الوالدين ليس مجرد واجب اجتماعي، بل هو عبادة وطاعة تقرب العبد من ربه”.

وفي يوم الحساب، حين يقف الإنسان أمام رب العالمين، “ستظهر كل تلك اللحظات التي قست فيها قلوب الأبناء على من قدم لهم كل شيء، لن تنفع الأعذار حينها، لأن الله يعلم السر وأخفى، وسيحاسب كل إنسان على ما قدمت يداه؛ فالأبناء الذين أداروا ظهورهم لآبائهم في لحظات ضعفهم، سيجدون أنفسهم في مواجهة عدل الله، حيث لا شفاعة ولا مهرب من الجزاء”، يضيف المتحدث ذاته.

وختم الإمام حديثه مع هسبريس قائلا: “إن من يظن أن الزمان سينسيه فعلته، عليه أن يتذكر أن الدنيا فانية، وأن ما يفعله اليوم سيعود عليه غدا”، مستحضرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بروا آباءكم تبركم أبناؤكم”، فمن يزرع الجحود سيحصد الندم في الدنيا والآخرة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق دنو التساقطات المطرية يزيد من مخاوف انهيار المنازل بالدار البيضاء - بلس 48
التالى حملات تُبعد المتشردين عن أحياء مغربية .. وجمعويون يطلبون المزيد - بلس 48