شدّ عمر أعنان، النائب عن الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، الانتباه إلى “الواقع الاجتماعي الذي يرافق كل دخولٍ مدرسي: تلميذٌ فاقدٌ للأمل، وأسرةٌ مثقلةٌ بالهموم، ومدرسةٌ تُستقبل كعبءٍ لا كأفقٍ للارتقاء”، معتبرا أنه “يتعين الحديث اليوم بواقعية ومسؤولية عن دخولٍ مدرسي يأتي في سياقٍ مشحونٍ بصرخة جيلٍ جديدٍ من الشباب المغربي، ‘جيل زد'”.
وأشار أعنان، خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال، اليوم الثلاثاء، لدراسة مواضيع تتعلق بالدخول المدرسي 2025-2026، بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، إلى أن “هذا الجيل يطالب بإصلاحٍ حقيقي يعيد للمدرسة العمومية دورها ورسالتها، وللتعليم معناه كحقٍ أساسي ورافعةٍ للعدالة الاجتماعية”، مبرزا أنه “جيلٌ يطالب بتعليمٍ جيد، بمدارس مؤهلة لا مكتظة”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “الدخول المدرسي أصبح مرآةً لواقعٍ متعثر، تُثقل كاهله الاختلالات البنيوية المتراكمة داخل المنظومة التعليمية: اكتظاظ، هشاشة البنيات، خصاص في الأطر، ضعف التنسيق والتخطيط، وغياب العدالة المجالية بين الوسطين القروي والحضري”، موردا أن “مشروع مدارس الريادة، رغم أهميته، يظل محدود الأثر ما دامت تحيط به مؤسسات تعاني ضعف التأطير والتجهيز”.
وأبرز النائب عن فريق “حزب الوردة” أن تقارير لفتت إلى أن “هذا المشروع يعاني من نقص في الإنصاف، وتفاوتات جهوية، وضعف في الوسائل والتأطير والمتابعة، ما يجعل تعميمه السريع محفوفًا بمخاطر تراجع الجودة وضعف الاستدامة”، وتابع: “كما يُلاحَظ أن التركيز على التجهيزات المادية يطغى أحيانًا على جوهر الإصلاح التربوي، أي المحتوى، الكفاءات، المنهجية، وبيئة العمل”.
واعتبر المتحدث أنه “إذا لم تُعالَج هذه الإشكالات بشكلٍ ممنهجٍ ومنظَّم فإن التعميم قد يتأخر أو يفقد فعاليته في بعض المناطق”، وتابع: “إلى جانب ذلك فإن المقاربة المعتمدة في مدارس الريادة لمعالجة ضعف المهارات الأساسية كالقراءة والحساب والتعبير هي مقاربة شمولية لا تراعي الفروق الفردية، إذ تركز على الرفع من مستوى التلاميذ المتعثرين، ما يؤدي أحيانًا إلى تراجع مستوى المتفوقين”.
كما أكد أعنان أن “أوراشا واعدة مثل التعليم الأولي، وتدريس اللغات، والرقمنة، مازالت تواجه صعوبات هيكلية تتعلق بضعف التكوين والموارد، وغياب رؤية مندمجة تجعلها جزءاً من إصلاح شامل لا مجرد إجراءات متفرقة”، مضيفا أنه “لا يمكن لأي إصلاح تربوي أن ينجح دون الاستثمار في الإنسان وتحفيز نساء ورجال التعليم ماديًا ومهنيًا، وتأهيل المدارس، خصوصًا في العالم القروي، ومراجعة المناهج بما يعزز التفكير النقدي والذوق الجمالي”.
من جانبها قالت النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية ثورية عفيف إن “أزمة التعليم في المغرب تتجاوز بكثير مسألة الحواسيب أو البنية التحتية، فهي أزمة أعمق تمس جوهر المنظومة التعليمية”، موردةً أن “تناول هذا الملف لا ينبغي أن يُفهم كمزايدة سياسية، بل هو دعوة صريحة للاحتكام إلى تقارير المؤسسات الدستورية والمتخصصة، بغية تشخيص مكامن الخلل والعمل على معالجتها”.
كما أبرزت عفيف أن “واقع المدرسة العمومية مازال يراوح مكانه، بل يسجل تراجعاً خطيراً وفق المؤشرات الدولية، إذ كشفت التصنيفات العالمية عن تدني مستوى التحصيل الدراسي، خاصة في المواد العلمية لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية، بما يعادل تأخراً يصل إلى ربع قرن”، مبرزةً أن نسبة المتعلمين المتقنين للكفايات الأساسية سنة 2024 بقيمة 50 مقارنة مع سنة 2019”.
وسجلت البرلمانية ذاتها أن “المجلس الأعلى للتربية والتكوين سبق أن نبه إلى أعطاب بنيوية داخل المنظومة، داعياً إلى إصلاحات عاجلة، غير أن تلك التوصيات لم تلق التجاوب اللازم”، موضحة أن “بعض الإصلاحات المعلنة لاحقاً قطعت مع مقتضيات القانون الإطار والرؤية الإستراتيجية، وغيّبت آليات الحكامة، وعلى رأسها اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح التعليم، رغم أنها كانت تجسيداً لمبدأ أن إصلاح التعليم ورش عرضاني يهم مختلف الفاعلين والقطاعات”.
واستنكرت المتحدثة ما وصفتها بـ”قرارات مجانبة للقانون والدستور، منها قرار تسقيف سن الترشح لمباريات التعليم في 30 سنة”، معتبرة أنه “إجراء يضرب مبدأ تكافؤ الفرص في الصميم”، ومتسائلة: “متى كانت الكفاءة مرتبطة بالسن؟ ومتى كانت المهننة رهينة بعامل زمني؟” وأضافت: “الوزارة أوحت بإمكانية مراجعة هذا القرار”، معربة عن أملها في أن “تتم مراجعته قريباً”؛ كما انتقدت “عدم إدماج أطر الأكاديميات ضمن الميزانية العامة”.
وأوردت عفيف أن “استمرار الخطابات الجوفاء وغياب الجدية في التعاطي مع هذا الورش الإستراتيجي ساهم في تقويض الثقة في المؤسسات، وأدى إلى تفاقم التوتر الاجتماعي، الذي تجلت أبرز مظاهره في احتجاجات ‘جيل زد’ التي طالبت بإصلاح التعليم”، خالصة إلى أن “أمام الحكومة اليوم فرصة حقيقية لإعادة وضع ملف إصلاح التعليم على سكته الصحيحة، بعيداً عن مقاربات تجزيئية أو ظرفية، في انسجام مع التوجيه الملكي الداعي إلى قانون إطار ملزم وعابر للحكومات، يجنب البلاد دوامة الفراغ والإخفاقات المتكررة”.
0 تعليق