قدّمت الحكومة مشروع قانون رقم 71.24 بتغيير وتتميم مدونة التجارة، في خطوة تشريعية تروم تحديث الإطار القانوني المنظم للمعاملات التجارية، وتعزيز الثقة في وسائل الأداء، لا سيما الشيك والكمبيالة، عبر مقاربة جديدة تجمع بين الردع والمرونة، وتهدف إلى تخفيف الطابع الجنحي عن بعض الأفعال من دون المساس بمصداقية المعاملات المالية.
وبناء على تفاصيل المذكرة التقديمية لمشروع هذا القانون، تم الحديث عن مستجدات جوهرية عدة تتعلق باستخدام الشيك؛ إذ تم إقرار نظام المصالحة أو الصلح الجنائي في جميع مراحل الدعوى، بما في ذلك أثناء تنفيذ العقوبة. ويتيح هذا النظام للمخالف إمكانية تسوية وضعيته عبر الأداء أو التنازل عن الشكاية، ما يؤدي إلى عدم تحريك الدعوى أو إسقاطها.
كما نص المشروع على إعفاء جنحي في حال ارتكاب الفعل بين الأزواج أو الأصول أو الفروع من الدرجة الأولى، مراعاة للروابط الأسرية والاجتماعية.
ومن أبرز المقتضيات الجديدة كذلك، إشعار الساحب من طرف النيابة العامة بضرورة توفير المؤونة خلال 30 يوما قبل تقديمه أمامها، مع إمكانية تمديد الأجل بموافقة المستفيد، وهو ما يكرس منطق الإنذار قبل الزجر.
وفي الجانب الزجري، أتاح المشروع إمكانية إخضاع الساحب لتدابير المراقبة القضائية مثل السوار الإلكتروني كبديل عن الاعتقال، مع تخفيض العقوبة الحبسية من سنة إلى خمس سنوات لتصبح بين سنة وسنتين فقط، والتمييز بين حالات الإهمال البسيط وحالات التزوير أو التزييف.
أما بخصوص الكمبيالة، فقد تضمن المشروع تعديلات تهدف إلى تعزيز الثقة في هذه الوسيلة التجارية، وذلك عبر تنظيم الكمبيالة المسحوبة على مؤسسة بنكية كبديل موثوق عن الكمبيالة العادية.
كما تم تعزيز دور المؤسسة البنكية في مراقبة العمليات منذ لحظة تسليم الدفاتر وحتى استرجاعها عند تسجيل العوارض، مع ضمان أكبر لحقوق المستفيدين في مواجهة الإخلال بالأداء.
المذكرة التقديمية للمشروع استندت إلى معطيات إحصائية دقيقة كشفت حجم الإشكال القائم في التعامل بالشيكات والكمبيالات.
فقد سجل بنك المغرب سنة 2024 ما مجموعه 30.1 مليون عملية أداء بواسطة الشيك بقيمة تناهز 1319 مليار درهم، مقابل 5.7 ملايين عملية أداء بالكمبيالة بقيمة تقارب 5.75 مليار درهم.
كما تم رصد 972 ألف عارض أداء للشيك، منها أكثر من 55% بسبب انعدام أو عدم كفاية الرصيد، إضافة إلى قرابة 700 ألف عارض أداء للكمبيالة للسبب نفسه.
وبين عامي 2022 ومنتصف 2025، تم تسجيل أكثر من 180 ألف شكاية، توبع على إثرها أزيد من 76 ألف شخص، بينهم 58 ألفا في حالة اعتقال، ما يعكس العبء القضائي والاجتماعي الكبير المرتبط بهذه القضايا
ويروم مشروع القانون الجديد تحقيق خمسة أهداف رئيسية، حسب ما جاء في المذكرة. يتعلق الأمر باسترجاع الثقة في الشيك كوسيلة أداء موثوقة عبر تأهيل نظامه القانوني، وتعزيز الأمن المالي والقانوني لتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، وتقليص الاعتماد على النقد وتوسيع نطاق الشفافية المالية، وترشيد الاعتقال وتخفيف الضغط عن المحاكم من خلال توسيع نطاق الصلح والتسوية المالية، وتحقيق التناسب بين الجريمة والعقوبة ضمن رؤية قانونية أكثر إنسانية.
0 تعليق