يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند مفترق طرق بين طموحه الشخصي في الفوز بجائزة نوبل للسلام وتقييم الخبراء الدوليين الذين يستبعدون ذلك على نطاق واسع. فبينما يرى ترامب أن عدم منحه الجائزة سيشكل "إهانة" للولايات المتحدة، يؤكد خبراء في الشؤون الدولية أن نهجه الأحادي وطباعه المثيرة للانقسام تتعارض مع القيم التي تأسست عليها الجائزة المرموقة.
تطلعات ترامب وواقع الخبراء
وحسب تقرير لـ "الشرق الأوسط" لا يخفي ترامب سعيه للفوز بجائزة نوبل للسلام، معتبراً أنه يستحقها عن جهوده في ملفات ساخنة في مختلف أنحاء العالم. وقال في كلمة ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي: "الجميع يقولون إنني أستحق الحصول على جائزة نوبل للسلام". ويدعم ترامب مزاعمه بالإشارة إلى أنه أنهى ست أو سبع حروب خلال أشهر، لكن الخبراء يعتبرون هذا الرقم مبالغاً فيه بشكل كبير.
يستبعد المؤرخ المتخصص في شؤون نوبل إيفيند ستينرسن ذلك بشدة، قائلاً في حديث لوكالة فرانس برس: "الأمر غير وارد على الإطلاق لأنه (ترامب) مناقض من نواح عدة للمُثل التي تعكسها جائزة نوبل". وأوضح ستينرسن أن "جائزة نوبل للسلام تكافئ التعاون متعدد الأطراف، من خلال الأمم المتحدة مثلاً... لكن ترامب يُمثل ابتعاداً عن هذا المبدأ لأنه يتبع نهجه الخاص، من جانب واحد".
جهود السلام تحت المجهر
يستند ترامب في مطالبته بالجائزة إلى سلسلة من الوساطات الدبلوماسية التي قام بها، بما في ذلك النزاع بين أرمينيا وأذربيجان الذي توصل فيه الجانبان إلى اتفاق برعاية واشنطن، والتوترات الحدودية بين تايلاند وكمبوديا التي توقفت بعد وساطة اقتصادية قادها ترامب.
كما أدرج البيت الأبيض الصراع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران، وخلافات الهند وباكستان حول كشمير، وأزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وأخيراً التوتر بين صربيا وكوسوفو.
لكن مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام كريم حجاج دعا لجنة نوبل إلى "تقييم إذا ما كانت ثمة أمثلة واضحة على نجاح جهود إعادة السلام هذه".
ورغم هذه الجهود، يرى مراقبون أن بعض هذه الوساطات جرت في ظل تدخل أمريكي محدود أو لم تُفضِ إلى اتفاقات نهائية، بينما يواصل ترامب الترويج لهذه الملفات كدليل على دوره "التاريخي" في تحقيق السلام العالمي.
العوامل المحبطة للفوز
وحسب التقرير ثمة عوامل أساسية تقف حائلاً دون فوز ترامب بالجائزة، منها أن أسلوبه القيادي المثير للانقسام يتعارض مع روح الوئام الدولي التي سعى مؤسس الجائزة ألفريد نوبل إلى الترويج لها.
ويشير الخبراء إلى أن الاستعراض العسكري للرئيس وتخفيض المساعدات، وزيادة الرسوم الجمركية تتعارض مع قيم الجائزة. كما أن الضغوط التي مارسها ترامب على اللجنة النرويجية، المكونة من خمسة أعضاء، والتي تمنح الجائزة، حيث ادعى أنه أوقف ستة حروب، ومشيراً إلى أن عدم فوزه سيشكل "إهانة" للولايات المتحدة – كل هذه الضغوط وصفها العضو السابق في لجنة الجائزة هنريك سايز بأنها "غريبة جداً"، مضيفاً: "لأنه من النادر جداً أن يقوم أي شخص بحملة علنية مثل هذه". وقد قال أمين السر في لجنة جائزة نوبل كريستيان بيرغ هارفيكن إن هذه الضغوط "لن تؤثر على النتيجة".
استحقاق الجائزة في الميزان
ترى نينا جرايجر، مديرة معهد أبحاث السلام في أوسلو، أنه "سأفاجأ إذا حصل الرئيس ترامب على جائزة السلام لهذا العام لأنه لم يقدم بعد مساهمة كبيرة بما يكفي للسلام للفوز بالجائزة". وفي حين أشارت إلى أنه يستحق الثناء على جهوده لإنهاء الحرب في غزة، قالت: "من السابق لأوانه أن نقول ما إذا كان اقتراح السلام سوف يتم تنفيذه ويؤدي إلى سلام دائم".
هذه التصريحات تكشف أن لجنة نوبل تفضل عادة انتظار اكتمال مسارات السلام وترسيخها قبل منح الجائزة، خاصة في ملفات معقدة كالقضية الفلسطينية. ويبدو أن إنجاز ترامب الأخير في الوصول إلى اتفاق بشأن غزة قد لا يكون كافياً لنيل الجائزة هذا العام، رغم أن جهوده الجادة وتحقيقه اتفاق سلام في غزة قد يمنحه فرصة أفضل للفوز بالجائزة العام المقبل إذا نجح في الضغط على نتنياهو للموافقة على إنهاء القتال.
المنافسون الأوفر حظاً
في مواجهة ترشيح ترامب، يرى خبراء أن الجائزة يجب أن تُمنح لجهات تتحرك بعيداً من الأضواء في نزاعات لم تعد تحظى باهتمام كبير. وقال كريم حجاج: "ينبغي على لجنة نوبل أن تُركّز على عمل وسطاء محليين وصانعي السلام على الأرض. هؤلاء هم الفاعلون الذين أُغفلوا في الكثير من نزاعات العالم المنسية"، ومنها السودان ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي.
وأشار إلى أن المعايير تنطبق مثلاً على مبادرة غرف الطوارئ في السودان وهي شبكات استجابة مؤلفة من متطوعين لتوفير الطعام والمساعدة للسكان الذين يعانون وطأة الحرب والمجاعة. وقد تمنح الجائزة لمنظمات غير حكومية تُعنى بالدفاع عن الصحافيين، كلجنة حماية الصحافيين ومنظمة "مراسلون بلا حدود"، بعدما شهدت هذا العام مقتل الكثير من العاملين في المجال الإعلامي وخصوصاً في قطاع غزة. وقالت نينا غراغر: "لم يسبق أن قُتل هذا العدد الكبير من الصحافيين في عام واحد".
مستقبل ترشيح ترامب
رغم الاستبعاد الحالي، يرى بعض المحللين أن فرص ترامب قد تتحسن في المستقبل. فبحسب حديث المتخصص في الشؤون الدولية بيتر فالنستين إلى وكالة فرانس برس، فإن ترامب لن يحصل على "نوبل للسلام" لهذا العام، مضيفاً: "لكن ربما العام المقبل؟ بحلول ذلك الوقت، ستكون الغيوم انقشعت بشأن مبادراته المختلفة، خصوصاً بشأن أزمة غزة".
لكن صحيفة "اللوموند" نقلت عن خبراء نرويجيين أن الرئيس الأمريكي ليست لديه أي فرصة للفوز بالجائزة. وتكشف التقارير عن مخاوف نرويجية من احتمال اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات عقابية، في حال لم يُمنح ترامب الجائزة، حيث تخشى السلطات النرويجية أن يُقدم ترامب على خطوات اقتصادية انتقامية إذا تجاهلته لجنة نوبل، من بينها فرض رسوم جمركية إضافية على السلع النرويجية أو تقييد أنشطة صندوق الثروة السيادي للبلاد. لكن يبدو أن لجنة نوبل مصممة على الحفاظ على استقلاليتها وقيم الجائزة بعيداً عن أي ضغوط سياسية أو اقتصادية.
0 تعليق