يواجه مزارعو فول الصويا في الولايات المتحدة واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية منذ عقود، بعدما فقدوا أكبر سوق لتصريف منتجاتهم وهو الصين.
فقد أدّت التوترات التجارية المستمرة بين واشنطن وبكين إلى تراجع حادٍ في واردات الصين من فول الصويا الأمريكي، ما تسبب بانخفاض الأسعار ودفع العديد من المزارعين إلى تخزين محاصيلهم بدلاً من بيعها بخسائر.
ووفقاً لتقديرات نقلتها «صحيفة وول ستريت جورنال»، شكلت الصين أكثر من نصف صادرات فول الصويا الأمريكية البالغة 24.5 مليار دولار في العام الماضي. إلا أن مشترياتها بين يناير وأغسطس من العام الحالي لم تتجاوز 200 مليون بوشل، مقارنة بنحو مليار بوشل خلال الفترة ذاتها من العام 2024، وهو تراجع حاد أضعف ركيزة أساسية للاقتصاد الزراعي الأمريكي.
تصاعد الضغوط على المزارعين
في ولايات الغرب الأوسط، تتزايد الضغوط الاقتصادية مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، من أسمدة ومعدات، بنسبة تتراوح بين 20% و30% خلال عام واحد.
ويقول المزارع رون كيندريد من ولاية إلينوي، الذي يدير نحو 1700 فدان: «إن لم نصل إلى اتفاق مع الصين قريباً، فسنشهد انهياراً في الأسعار». وقد تمكن كيندريد من بيع 40% فقط من محصوله، بينما بقي 60% بلا مشترين.
ولاحتواء الأزمة، أقرّ الكونغرس حزمة دعم بقيمة 10 مليارات دولار في ديسمبر الماضي، فيما تدرس الإدارة الأمريكية تخصيص دعم إضافي يتراوح بين 10 و14 مليار دولار.
ومن المنتظر أن يعقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعا في وقت لاحق من هذا الأسبوع مع وزيرة الزراعة بروك رولينز، لاتخاذ قرار نهائي بشأن آلية تمويل خطة إنقاذ المزارعين، وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض، كما يبحث الرئيس وفريقه الاقتصادي إمكانية توجيه جزء من عائدات الرسوم الجمركية لتمويل حزمة برامج الإغاثة الزراعية المقترحة.
وأوضح متحدث باسم وزارة الزراعة أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى استخدام جميع الأدوات المتاحة لضمان استمرار المزارعين في نشاطهم والحفاظ على استقرار القطاع الزراعي.
سباق نحو أسواق بديلة
مع إغلاق السوق الصينية فعلياً، يسعى المنتجون الأمريكيون إلى تنويع أسواقهم عبر بعثات تجارية نحو فيتنام، الفلبين، كمبوديا، والمغرب للترويج لفول الصويا الأمريكي كمصدر علف للحيوانات وتربية الأحياء المائية.
في كمبوديا، تحدث المزارع موري هيل من ولاية آيوا إلى مستوردين محليين عن فوائد استخدام مسحوق فول الصويا الأمريكي في تغذية الأسماك، في حين يعتزم زيارة المغرب لتعزيز الصادرات إلى قطاع الدواجن. وقال كيندريد: «لن نعوض السوق الصينية بين ليلة وضحاها، لكننا نحقق تقدماً تدريجيا».
ورغم تحقيق بعض المكاسب في أسواق ناشئة كفيتنام ومصر وبنغلاديش وتونس، إلا أن هذه الأسواق مجتمعة لا تزال عاجزة عن سدّ الفجوة التي خلّفها غياب الصين. إذ لا تتجاوز مبيعات الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي والمكسيك، ثاني وثالث أكبر مستوردين، 5 مليارات دولار سنويا.
مستقبل هش للزراعة الأمريكية
بلغت الضغوط المالية ذروتها في الأرياف، إذ قال المزارع روب إوولد من ولاية آيوا إنه يحتاج إلى 1.3 مليون دولار سنوياً لتغطية نفقات التشغيل والديون، مؤكداً أن استمرار تراجع المبيعات يهدد بقاء مزرعته. أما المزارع دين بوخولز من إلينوي، فقد أعلن إنهاء مسيرته الزراعية بعد عقود، مشيراً إلى أن الاستمرار يعني المزيد من الديون.
وارتفعت مساحة الأراضي المزروعة بفول الصويا في الولايات المتحدة بنسبة تقارب 40% منذ العام 1995، مدفوعة بالطلب الصيني المتنامي والمحاصيل المعدلة وراثيا، لكن هذا التوسع جعل القطاع أكثر هشاشة بعد فقدان السوق الصينية.
ومع امتلاء الصوامع، وغموض الآفاق المستقبلية، يحذّر المزارعون من أن غياب اتفاق تجاري مع بكين قد يقود إلى كارثة اقتصادية للقطاع الزراعي الأمريكي.
مشهد عالمي متغير
في المقابل، عززت الصين علاقاتها التجارية مع البرازيل والأرجنتين، اللتين أصبحتا الموردين الرئيسيين لفول الصويا إلى السوق الصينية.
ترافق ذلك مع إعادة تشكيل أسواق الحبوب العالمية، إذ تشهد اقتصادات ناشئة في جنوب شرق آسيا وشمال أفريقيا زيادة في الطلب على الأعلاف البروتينية، لكن ضعف البنية التحتية والقدرة الشرائية في هذه الدول يحدّ من استيعابها للكميات الأمريكية.
وحتى الآن، يخيّم الإحباط على المزارعين الأمريكيين مع امتلاء الصوامع وتراجع السيولة، وقال كيندريد: «قمنا بكل ما نستطيع، زرعنا بكفاءة، خفضنا التكاليف، وطرقنا أسواقاً جديدة. لكن من دون الصين، يبقى الفائض أكبر من قدرتنا على تصريفه. لم تعد المشكلة تجارية فحسب، بل أزمة اقتصادية تهدد مستقبل الزراعة الأمريكية».
0 تعليق