في لحظة تاريخية، منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025 جائزة نوبل في الكيمياء للعالم الأردني الأمريكي عمر ياغي مشاركة مع كل من الياباني سوسومو كيتاجاوا والبريطاني ريتشارد روبسون، تقديراً لمساهمتهم في تطوير "الأطر المعدنية العضوية" .
يمثل فوز ياغي تتويجاً لرحلة إنسانية وعلمية استثنائية، خاضها طفل نشأ في ظل ظروف صعبة، ليصبح أحد أبرز رواد الكيمياء في العالم، ويقدم حلولاً علمية لمشكلات إنسانية ملحة، أبرزها شح المياه وتغير المناخ.
من غرفة واحدة في عمان إلى أرقى الجامعات العالمية
وُلد عمر مونّس ياغي في العاصمة الأردنية عمان عام 1965، لعائلة فلسطينية نزحت من يافا عام 1948 ، عاش طفولة متواضعة مع تسعة من إخوته في غرفة واحدة، في منزل يفتقر إلى الكهرباء، وكانت المياه تصل لبضع ساعات أسبوعياً فقط، هذه الظروف القاسية، خاصة شح المياه، تركت أثراً عميقاً في نفسه، وغرسَت لديه رغبة جامحة في البحث عن حلول علمية تخفف معاناة البشر .
في سن الخامسة عشرة، انتقل ياغي إلى الولايات المتحدة للالتحقاق بشقيقه الأكبر، رغم عدم إتقانه اللغة الإنجليزية آنذاك، وهناك، بدأ رحلة تفوق أكاديمي مذهلة، حصل خلالها على شهادة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين عام 1990، وشغل بعدها مناصب أكاديمية في عدة جامعات مرموقة، قبل أن يستقر أستاذاً للكيمياء في جامعة كاليفورنيا - بيركلي، وهي الوظيفة التي يشغلها حتى اليوم .
تأسيس علم جديد وثورة في تصميم المواد
يُعتبر البروفيسور ياغي المؤسس لفرع علمي جديد يُدعى "الكيمياء الشبكية"، الذي يمثل نقلة نوعية في طريقة تصميم وبناء المواد على المستوى الذري، وبدلاً من الاعتماد على الصدفة والتجربة والخطأ، تتيح الكيمياء الشبكية للعلماء بناء مواد بلورية جديدة بطريقة منهجية وقابلة للتنبؤ، من خلال ربط وحدات بناء جزيئية ببعضها البعض لتشكيل هياكل دائمة المسام .
ضمن هذا الإطار، كان ياغي رائداً في تطوير نوعين من المواد شديدة المسامية هما الأطر المعدنية العضوية (MOFs) والأطر العضوية التساهمية (COFs) ، تشبه هذه المواد الإسفنجة المجهرية، لكن بمساحات سطحية هائلة تتجاوز 7000 متر مربع للجرام الواحد، ما يمكنها من امتصاص كميات هائلة من الغازات أو السوائل، وهذه المسامية الفائقة والتصميم القابل للتخصيص هما ما أتاحا لهذه المواد تطبيقات ثورية.
تطبيقات ثورية تواجه تحديات عالمية
تمتلك الأطر المعدنية العضوية التي طورها ياغي ورفيقاه تطبيقات مذهلة في معالجة بعض من أكبر التحديات التي تواجه الكوكب . فيما يلي أبرز هذه التطبيقات:
استخلاص المياه من هواء الصحراء: طوّر ياغي نموذجاً أولياً لجهاز يستطيع جمع المياه من الهواء حتى في أكثر الصحاري جفافاً، حيث تصل الرطوبة النسبية إلى 20% فقط . يعمل الجهاز باستخدام بلورات الأطر المعدنية العضوية لامتصاص بخار الماء من الهواء ليلاً، ثم تحرير مياه نقية عند التسخين بالطاقة الشمسية نهاراً . هذا الابتكار يمكن أن يوفر حلاً لمشكلة شح المياه التي يعاني منها الملايين.
التقاط ثاني أكسيد الكربون: يمكن تصميم هذه المواد لالتقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو أو من مداخن المصانع، مما يفتح الباب أمام مسارات جديدة لمكافحة تغير المناخ .
تخزين الوقود النظيف: تتميز الأطر المعدنية العضوية بقدرة فائقة على تخزين الغازات مثل الهيدروجين والميثان، وهو ما يمهد الطريق لتطوير حلول تخزين أكثر كفاءة للطاقات النظيفة .
تنقية البيئة: يمكن استخدام هذه المواد لفصل الجزيئات السامة والملوثات، مثل مركبات "PFAS" والعقاقير الطبية، من المياه الملوثة .
اعتراف عالمي متتابع وتكريم عربي
لم يأتِ فوز ياغي بجائزة نوبل من فراغ، بل سبقه حصوله على العديد من أرفع الجوائز العلمية العالمية، والتي تشهد بمكانته العلمية الفائقة. ومن أبرز هذه الجوائز :
- جائزة الملك فيصل العالمية في العلوم (2015)
- جائزة ألبرت أينشتاين العالمية للعلوم (2017)
- جائزة غريغوري أمينوف من الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم (2019)
- جائزة بالزان (2024)
كما حظي بتقدير عربي كبير، حيث مُنح الجنسية السعودية بموجب أمر ملكي في نوفمبر 2021 ، وفاز بجائزة نوابغ العرب في فئة العلوم الطبيعية في دورتها الثانية لعام 2024، كما يشغل ياغي أيضاً منصب مستشار رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية "كاكست" في السعودية .
0 تعليق