في 2 أكتوبر 2025، قرر البنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس (1٪)، ليتم خفض سعر الإيداع إلى 21٪ وسعر الإقراض لليلة واحدة إلى 22٪، فيما تم خفض سعر الائتمان والخصم كذلك إلى 21.50٪. هذا القرار يُعدّ الرابع من نوعه خلال العام، في إطار سياسة تيسير نقدي تدريجي بدأ في عدة اجتماعات سابقة لدعم النشاط الاقتصادي.
الخطوة جاءت بعد أن أشار البيان الرسمي أن معدل التضخم السنوي انخفض إلى نحو 12٪ في أغسطس 2025 مقارنة بـ 13.9٪ في يوليو، وأن النمو الاقتصادي في الربع الثاني بلغ حوالي 5٪ مقارنة بالعام السابق. كما عدّل البنك المركزي توقّعاته للتضخم لعام 2025 إلى نحو 14٪ بدلاً من 15٪ لتتماشى مع اتجاه الانخفاض المتواصل في الأسعار.
توسّع التأثير على القطاعات المالية والاقتصادية
الأسواق المالية وأدوات الدين
خفض الفائدة يخفض العوائد المتوقعة على السندات وأذون الخزانة، مما يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية. وقد لوحظ أن المزادات الحكومية المقبلة قد تشهد طلبًا أقوى أو تغيّرًا في هيكل العائدات.
في البورصة، تزداد جاذبية الأسهم التي تستفيد من النمو، خاصة البنوك والعقارات والقطاعات الإنتاجية، وذلك بفضل انخفاض تكلفة التمويل وتحسّن معنويات المستثمرين.
كما تجدر الإشارة إلى أن الحكومة تسعى لتوسيع أدوات التمويل، فمثلاً أعلنت عن إصدار صكوك لأجل 3.5 و7 سنوات بعوائد تنافسية لتغذية الطلب المحلي والخارجي على أدوات الدين.
القطاع المصرفي
البنوك ستجد نفسها في مفترق طرق: من جهة، ستواجه ضغوطًا على هوامش الربح بسبب الفارق الضيق بين سعر الإقراض وسعر الإيداع. من جهة أخرى، قد تستفيد من زيادة حجم الإقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات الصناعية، خصوصًا إذا قامت بتخفيف إجراءات الائتمان وتبني استراتيجيات تقلل المخاطر الائتمانية.
كما يمكن للبنوك تعزيز دخلها من خلال الخدمات المصرفية الرقمية، التمويل المتخصص، والمنتجات غير التقليدية للتعويض عن الانخفاض في العوائد التقليدية.
المدخرون وتحوّل الخيارات الادخارية
انخفاض العوائد على الشهادات ذات الفائدة المتغيرة سيجعلها أقل جاذبية مقارنة بالعقود الماضية، ما سيدفع بعض المدخرين نحو البحث عن بدائل مثل الشهادات طويلة الأجل أو الصناديق الاستثمارية أو الأصول الحقيقية كالعقارات والذهب.
بعض البنوك بدأت بالفعل في تعديل عوائد شهاداتها؛ فمثلاً شهادة “القمة” تم خفضها بنسبة تقارب 1٪ لتتماشى مع أسعار الفائدة الجديدة.
الاستثمار والقطاع الحقيقي
خفض الفائدة يُعد دفعة مهمة لتحفيز الاستثمار المحلي، حيث تقل تكلفة التمويل وتصبح المشاريع التي كانت غير مجدية اقتصاديًا أكثر قابلية للتنفيذ. القطاعات المنتظرة أن تستفيد أولًا تشمل الصناعة، الزراعة، البنية التحتية، الطاقة المتجددة والسياحة.
كما يُتوقّع أن ينعكس ذلك في تعزيز الصادرات، إذ تساهم خفض تكلفة الإنتاج في زيادة القدرة التنافسية عالمياً. وهذا قد يجذب أيضًا استثمارات أجنبية جديدة إلى المشاريع الصناعية والخدمية ذات المردود العالي.
سعر الصرف واستقرار الجنيه
رغم خفض الفائدة، حافظ الجنيه المصري على استقراره النسبي أمام الدولار، مدعومًا بتحسين التحويلات الخارجية، وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي إلى نحو 49 مليار دولار، إضافة إلى تحسّن ميزان المدفوعات.
هذا الاستقرار أجاز للمركزي التحرك نقديًا دون خوف من موجة هجرة رؤوس الأموال الخارجية أو ضغوط على سعر الصرف.
مخاطر ممكنة وتحذيرات
إذا ارتفعت أسعار الطاقة أو تم رفع الدعم فجأة، قد تعود الضغوط التضخمية مجددًا، مما يهدد أي تراجع إضافي في الفائدة.
التوسع الائتماني السريع قد يفوق قدرة بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة على السداد، مما يرفع المخاطر الائتمانية للبنوك.
في حال ضعف التنفيذ في إصلاحات البنية التحتية أو ضعف التنسيق بين السياسات المالية والنقدية، قد لا يُترجَم التيسير النقدي إلى نمو حقيقي مستدام.
تتأثر الآفاق الاقتصادية أيضًا بمخاطر خارجية مثل تقلبات أسعار السلع العالمية، التوترات الجيوسياسية، وتغيّب الدعم الخارجي.
توصيات استراتيجية لصانع القرار
الاستمرار في خفض الفائدة تدريجيًا مع الاحتفاظ بعائد حقيقي إيجابي.
توجيه الائتمان إلى المشاريع الإنتاجية وليس الاستهلاك أو المضاربة.
تعزيز التنسيق بين السياسة النقدية والمالية، ودعم البنية التحتية والإصلاحات الهيكلية.
الحفاظ على استقرار العملة ورفع الاحتياطيات الأجنبية لتكوين حائط صد ضد الصدمات الخارجية.
للمستثمرين والمدخرين :
تنويع المحافظ الاستثمارية: جزء في الأسهم والعقارات، وجزء آخر في أدوات الدين طويلة الأجل.
مدخرون: اختيار الشهادات طويلة الأجل أو المنتجات ذات العوائد الثابتة أو استثمار جزء في الأصول الحقيقية للحفاظ على القوة الشرائية.
مراقبة تحرّكات التضخم والسياسات النقدية المحلية والعالمية، لتعديل الاستثمارات في الوقت المناسب.
في المجمل، يمثل خفض الفائدة خطوة مدروسة نحو دورة تيسير نقدي حذرة تدعم النشاط الاقتصادي، لكنها في الوقت ذاته اختبار حقيقي لقدرة الاقتصاد المصري على تحقيق نمو مستدام دون فقدان استقرار الأسعار.
0 تعليق