11:36 ص - الإثنين 27 أكتوبر 2025
0
يتّجه عبء الدين الحكومي في أميركا إلى تجاوز مستوياته في كلٍّ من إيطاليا واليونان للمرة الأولى خلال هذا القرن، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، في مؤشرٍ يعكس هشاشة الأوضاع المالية العامة في البلاد.

وتُظهر تقديرات الصندوق أنّ الدين الإجمالي للحكومة الأميركية سيرتفع بأكثر من 20 نقطة مئوية من مستواه الحالي ليصل إلى 143.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد، متجاوزاً المستويات القياسية التي سُجّلت بعد جائحة «كوفيد-19».
ويُقدّر الصندوق أنّ العجز في الموازنة الأميركية سيظلّ فوق 7% من الناتج المحلي الإجمالي كل عام حتى عام 2030، وهو أعلى مستوى بين الدول الغنية المشمولة بتقارير الصندوق لهذا العام وبقية العقد.
وقد كانت إيطاليا واليونان، اللتان طالما أشار إليهما الاقتصاديون بوصفهما مثالين على ضعف المالية العامة، في صميم أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو خلال الفترة 2010-2012، حيث اضطرت اليونان إلى الحصول على حزمة إنقاذ وإعادة هيكلة بإشراف صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.
غير أنّ عبء الدين الحكومي في كلا البلدين الأوروبيين يُتوقّع أن يسلك منحًى تنازلياً بنهاية العقد بفضل تشديد السيطرة على العجز المالي.
وعلى النقيض، يُتوقّع وفق بيانات صندوق النقد الدولي الصادرة هذا الشهر أن تواصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة ارتفاعها حتى عام 2030، فيما يتوقّع مكتب الموازنة في الكونغرس استمرار هذا الاتجاه لعقودٍ لاحقة.
وقال محمود برادان، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في «معهد أمنـدي للاستثمار» لصحيفة فايننشال تايمز: «إنها لحظة رمزية، وتشير تقديرات مكتب الموازنة إلى أنّ الدين الأميركي سيواصل الارتفاع، وهو ما يعكس آثار العجز المزمن».
وأضاف برادان: «لكن يجب الإشارة إلى أنّ آفاق النمو في إيطاليا أضعف من الولايات المتحدة، لذا لا يمكن اعتبار ذلك مؤشراً على أنّ إيطاليا خرجت من دائرة الخطر».
بوصفها صاحبة العملة الاحتياطية العالمية، تمتلك الولايات المتحدة قدرةً أكبر على الاقتراض مقارنةً بالدول الأوروبية.
غير أنّ الاقتصادي الأميركي لدى بنك «ING» جيمس نايتلي قال إنّ «كثيراً من الساسة والمستثمرين الأميركيين ينظرون بازدراء إلى أوروبا واقتصاداتها الضعيفة وبطيئة النمو، لكن عندما تظهر مؤشرات كهذه، فإنّ طبيعة النقاش تتغيّر».
وقد اتّسع العجز في الموازنة الفدرالية الأميركية بشكلٍ كبير في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، رغم بقاء معدلات البطالة عند مستوياتٍ شبه قياسية. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تبذل جهوداً كافية لمعالجة هذه المشكلة.
وقال جو لافورنيا، المستشار الاقتصادي لوزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، إنّ إدارة ترامب حقّقت تقدّماً في خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات من خلال الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأميركية. وأضاف لافورنيا في تصريحٍ لصحيفة «فايننشال تايمز»: «ما لا يدركه كثيرون هو أنّ الجزء الأكبر من التحسّن في عجز الموازنة خلال العام الجاري حدث منذ شهر أبريل فصاعداً».
ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ظلّ الدين الإجمالي للحكومة الأميركية أدنى من مستوياته في كلٍّ من إيطاليا واليونان منذ مطلع الألفية، ويُعدّ هذا المؤشر مقياساً شاملاً لمستوى المديونية يشمل الحكومات المركزية والمحلية معاً.
أما المقياس البديل، وهو «صافي الدين الحكومي» الذي يُخصم منه حجم الأصول المالية، فيُظهر أنّ الدين الأميركي سيظل أدنى بنحو 10 نقاط مئوية من مستوى المديونية في إيطاليا بحلول نهاية العقد.
وقال جو غانيون من «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» إنّ هذا المقياس «يُعطي قراءة أدق لعبء الدين الأميركي لأنه يعكس بشكلٍ أوثق حجم الديون التي يتعيّن على المستثمرين الاحتفاظ بها»، مضيفاً أنّ «هذا المقياس الصافي في ارتفاعٍ أيضاً».
وفي المقابل، يتوقّع صندوق النقد الدولي أن يبدأ صافي الدين في إيطاليا بالانخفاض اعتباراً من عام 2028، في حين لم يُصدر الصندوق توقعاتٍ موازية لصافي الدين في اليونان.
واجهت إيطاليا طويلاً صعوباتٍ في الحدّ من عبء ديونها بسبب ضعف معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً لا يتجاوز 0.5% هذا العام و0.8% في عام 2026.
ومع ذلك، حظيت حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بإشادة المستثمرين الأجانب لجهودها في تقليص عجز الموازنة. وتشير التقديرات إلى أنّ إيطاليا ستُنهي العام بفائضٍ أولي يبلغ 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بالتوقعات الأولية البالغة 0.5%.
وتتوقّع روما أن يبلغ العجز المالي —الذي وصل إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وهو العام الذي تولّت فيه ميلوني السلطة— نحو 3% من الناتج المحلي هذا العام، ما سيسمح لإيطاليا بالخروج من إجراءات العجز المفرط التي يفرضها الاتحاد الأوروبي قبل عامٍ من الموعد المخطط.
وقال فيليبو تادي، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك «غولدمان ساكس»: «هناك نهجٌ مستمرّ وحذر في السياسة المالية».
وقد رفعت وكالة «DBRS مورنينغستار» هذا الشهر التصنيف الائتماني السيادي لإيطاليا من «BBB عالي» إلى «A منخفض»، في خطوةٍ تعكس تحسّناً في نظرة المستثمرين إلى المالية العامة الإيطالية. ويرى محلّلون أنّ جهود روما لتعزيز أوضاعها المالية تدعمها استفادتها من أكثر من 200 مليار يورو من أموال صندوق التعافي الأوروبي بعد الجائحة.
وقال كارلو كابوانو، نائب رئيس فريق تصنيفات الديون السيادية في وكالة «سكوب ريتنغز»، إنّ إيطاليا استفادت أيضاً من تحسّنٍ في سوق العمل وزيادةٍ في إيرادات الضرائب، بدعمٍ جزئي من انتشار المدفوعات الرقمية.








0 تعليق