صور حرب أكتوبر.. كيف خدع السادات إسرائيل قبل حرب أكتوبر من المستشفيات إلى ملاعب الكرة؟ - بلس 48

الصباح العربي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل اندلاع حرب أكتوبر 1973 بوقت طويل، بدأ الرئيس أنور السادات تنفيذ خطة دقيقة حملت اسم “الخداع الاستراتيجي”، هدفها إخفاء أي مؤشرات قد تدل على استعداد مصر للحرب، حتى تُباغت إسرائيل بعنصر المفاجأة، وتفقد قدرتها على استغلال تفوقها العسكري والتكنولوجي، فعملت الدولة المصرية وفق خطة متكاملة تغطي كل المجالات، من الاقتصاد والإعلام وحتى الرياضة.

اعتمدت فكرة السادات على مبدأ التضليل المنهجي، بحيث تبدو الأوضاع داخل البلاد عادية ومستقرة، بينما يجري الاستعداد الكامل للعبور سرًا، فعلى سبيل المثال، احتاجت الدولة إلى إخلاء المستشفيات استعدادًا للطوارئ دون أن يثير ذلك الشكوك، فجاءت الخطة بتعيين ضابط طبيب في مستشفى الدمرداش، الذي “يكتشف بالصدفة” وجود ميكروب داخله، ليصدر أمرًا بالإخلاء الفوري، وتنشر الصحف الخبر باعتباره إجراءً وقائيًا، فتخاف الناس من انتشار العدوى، وتصدر الأوامر بتفتيش وإخلاء باقي المستشفيات، دون أن يدرك أحد أن الأمر جزء من الاستعداد للحرب.

وفي سياق آخر، احتاجت الحكومة لتخزين كميات ضخمة من القمح تحسبًا لفترة القتال، فجرى تسريب خبر يقول إن صوامع القمح في مصر تضررت بسبب الأمطار، لتتحول الواقعة إلى أزمة رأي عام، وتبدأ الحكومة في استيراد كميات كبيرة من القمح، بينما كان الهدف الحقيقي تأمين الاحتياجات الغذائية للبلاد وقت الحرب دون إثارة الانتباه.

كما استخدم السادات الدبلوماسية والإعلام كأدوات فاعلة في خطة التمويه، فأعلن تكليف وزير الخارجية محمد حسن الزيات بالاجتماع مع هنري كيسنجر لإبلاغه برغبة القاهرة في استئناف المفاوضات السلمية، في الوقت الذي وقّع فيه الرئيس عقدًا مع شركتي موبيل وإيسو للتنقيب عن النفط في مصر يوم 4 أكتوبر، قبل الحرب بيومين فقط، ليبدو المشهد وكأن الدولة تتجه نحو التنمية والهدوء لا المواجهة العسكرية.

امتدت خطة الخداع إلى التحركات العسكرية نفسها، فتم نقل الدبابات إلى “ورش التصليح” بحجة الأعطال، رغم أن هذه الورش كانت في الصفوف الأمامية، كما جرى طلب كميات مضاعفة من القوارب المطاطية، وُزّع نصفها على الجبهة بينما خُزّن النصف الآخر في صحراء حلوان، وأُعلن تسريح ثلاثين ألف مجند من الخدمة لطمأنة العدو، في الوقت الذي أُرسلت فيه بعثات من الضباط لأداء العمرة، وتقرر سفر وزير الحربية إلى ليبيا في زيارة رسمية، بينما نُظمت زيارة لوزير دفاع رومانيا إلى القاهرة في 8 أكتوبر لتأكيد مظهر “الاستقرار”.

ولم تغفل الخطة الجانب الإعلامي، إذ امتلأت الصحف بتقارير عن أفلام السينما والأنشطة الثقافية، أبرزها نجاح فيلم “خلي بالك من زوزو”، كما غطت أخبار الرياضة والزيارات الخارجية المشهد العام، لتبدو الحياة طبيعية تمامًا، في الوقت الذي كانت فيه قوات الجيش تستعد على قدم وساق لعبور القناة، حتى أن إسرائيل اقتنعت بأن مصر غير مقبلة على أي تحرك عسكري.

بلغ الخداع ذروته صباح يوم 6 أكتوبر، حين زار وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان الجبهة، ولاحظ أن الجنود المصريين لا يرتدون خوذهم، فاطمأن مؤكدًا أن الجيش المصري لن يتحرك للحرب، إذ كان قد صرّح سابقًا أنه يعرف نية المصريين من ارتداء جنودهم للخوذ، بينما كانت الأوامر الصادرة للجنود تنص على عدم ارتدائها إلا قبل ساعة الصفر بخمس دقائق فقط، وهو ما تحقق بدقة مذهلة.

لكن واحدة من أبرز تفاصيل خطة الخداع تمثلت في استئناف الدوري المصري لكرة القدم بعد نكسة 1967، إذ رأت الدولة أن عودة النشاط الرياضي ستعزز الإحساس بالاستقرار، فشهد موسم 1972 عودة قوية للبطولة، وبرز فريق غزل المحلة كمنافس شرس للأهلي والزمالك والإسماعيلي، حتى تصدّر الترتيب في موسم استثنائي تابعه الشارع المصري بشغف، خاصة بعد أن نشرت الصحف أخبارًا عن امتلاء المدرجات وارتفاع أسعار التذاكر إلى 125 قرشًا.

وفي المباراة الفاصلة بين غزل المحلة والبلاستيك، كان الفريق بحاجة للفوز لحسم اللقب، فحقق الانتصار وسط احتفالات جماهيرية ضخمة غطتها وسائل الإعلام على نطاق واسع، ما خدم الهدف العام للخطة عبر إشغال الرأي العام بالرياضة وإظهار الحياة في مصر وكأنها طبيعية بالكامل.

أما في موسم 1973، فكانت المفاجأة الأكبر، حين تحدد لقاء بين بطل الدوري غزل المحلة وفريق الطيران يوم 6 أكتوبر في الساعة الثانية والنصف ظهرًا، فامتلأ الاستاد بالجماهير، وسار اللقاء بصورة طبيعية، وسجّل الطيران هدفًا مبكرًا تبعه تعادل للمحلة بعد دقائق، إلى أن دوّى صوت البيان الأول للعبور عبر مكبرات الصوت في الاستاد، فتوقفت المباراة، واحتفل اللاعبون والجماهير، وأعلن الحكم إلغاء اللقاء، قبل أن يُلغى الدوري بالكامل لاحقًا، بعدما اتضح أن وجوده كان جزءًا من مشهد الخداع الاستراتيجي الكبير.

هكذا استطاعت مصر بقيادة السادات أن توظف كل تفصيلة صغيرة، من المستشفيات وحتى مباريات كرة القدم، في إطار خطة خداع محكمة أربكت حسابات العدو، ومهّدت الطريق لأعظم لحظة في التاريخ الحديث، عبور السادس من أكتوبر، التي أعادت للأمة كرامتها وأدهشت العالم بدقتها وجرأتها.

إخلاء مسؤولية إن الموقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق