تشهد الساحة الاقتصادية العالمية حالة غير مسبوقة من القلق والترقب، مع تصاعد المخاوف من اهتزاز النظام النقدي الدولي الذي ظل لعقود طويلة قائما على هيمنة الدولار الأمريكي، فالأزمات المالية المتتالية، وتفاقم الديون الحكومية، وارتفاع مستويات الإنفاق في كبرى الاقتصادات، دفعت العديد من الخبراء للتحذير من تحول جذري في موازين القوة المالية قد يعيد رسم خريطة الأسواق العالمية.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه الثقة بالعملات الورقية، سواء الدولار أو اليورو أو الجنيه الاسترليني، يتجه المستثمرون في مختلف أرجاء العالم نحو الذهب والفضة والعملات البديلة كخيارات أكثر أمانا في مواجهة اضطرابات الأسواق العالمية.
هل تنهار العملات الورقية عالميا؟
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات الملياردير الأمريكي راي داليو، مؤسس صندوق التحوط الأكبر في العالم، لتضع النقاط فوق الحروف بشأن حجم التهديدات التي تواجه الاقتصاد العالمي، مقدما رؤية استباقية لمستقبل المال والاستثمار في ظل عالم يتغير بسرعة.

وقال داليو، في تصريحاته، إن النظام المالي العالمي يمر بمرحلة شديدة الخطورة، مؤكدا أن جميع العملات الورقية الكبرى مثل الدولار واليورو والجنيه الإسترليني، معرضة لخطر فقدان مكانتها كمخزون للقيمة، بسبب التوسع المفرط في الديون الحكومية وارتفاع معدلات الإنفاق العام في الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وغيرها من الاقتصادات الكبرى.
وأضاف أن استمرار هذه السياسات المالية دون ضبط أو توازن يجعل العملات الورقية أكثر هشاشة أمام الأزمات، في وقت تتزايد فيه الثقة بالأصول الملموسة مثل الذهب والمعادن الثمينة، معتبرا أن هذه المرحلة قد تكون بداية التحول الأكبر في النظام النقدي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الذهب والفضة واليوان أبرز الرهانات الآمنة
وجه داليو نصيحة واضحة للمستثمرين حول العالم بضرورة تنويع الأصول وعدم الاعتماد على الدولار الأمريكي كدعامة وحيدة للثروة، موضحا أن الذهب يجب أن يشكل نحو 10% من المحافظ الاستثمارية، مشيرا إلى أن الأصول الحقيقية مثل الذهب والفضة، إضافة إلى العملات غير الورقية واليوان الصيني، ستكون الملاذ الأكثر أمانا في المرحلة المقبلة.

وأشار إلى أنه رغم بقاء الدولار عملة الاحتياط الأولى عالميا حتى الآن، فإن قيمته مرشحة للتراجع تدريجيا مع صعود اليوان في التجارة الدولية وتزايد الإقبال على الذهب، مؤكدا أن العالم يتجه نحو نظام نقدي متعدد الأقطاب ينهي عصر السيطرة المطلقة للدولار.
تراجع الدولار 10% في 2025
وبحسب تقارير مالية عالمية، تراجعت قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 10% منذ بداية عام 2025، بينما قفزت أسعار الذهب والفضة بنحو 40% خلال الفترة نفسها، كما ارتفعت عملة البيتكوين بنسبة 20% منذ مطلع العام، في إشارة إلى التغير الواضح في سلوك المستثمرين وتفضيلهم للأصول التي تحتفظ بقيمتها في ظل تراجع الثقة بالعملات التقليدية.

تعكس هذه المؤشرات مجتمعة أن النظام المالي العالمي يمر بمرحلة إعادة تشكيل عميقة، وأن الذهب والفضة لم يعودا مجرد أدوات للتحوط، بل رمزًا للثقة في زمن تتهاوى فيه أسس النقد الورقي، وبينما يتجه العالم نحو نظام أكثر تنوعًا في مراكزه الاقتصادية والمالية، تبقى نصيحة راي داليو بمثابة جرس إنذار مبكر يدعو المستثمرين لإعادة النظر في موازين الأمان المالي قبل أن يشتد ارتداد العاصفة الاقتصادية المقبلة.
0 تعليق