السباق نحو القمة الصناعية.. هل ... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتحرك مصر في السنوات الأخيرة بخطى واثقة نحو بناء قاعدة صناعية جديدة، تعيد رسم خريطة الإنتاج الوطني، وتفتح الباب أمام حقبة اقتصادية مختلفة يكون فيها التصنيع هو المحرك الرئيسي للنمو، لكن خلف هذا الطموح الكبير، يتسائل البعض هل تمتلك مصر البنية الصلبة والمؤهلات الكافية لتصبح مركزًا إقليميًا لعشرات الصناعات الثقيلة والمتقدمة؟ أم أن الطريق ما زال محفوفا بعقبات تحتاج إلى حل سريع؟

رؤية الحكومة لتطوير الصناعة المصرية  

تحت مظلة "استراتيجية الدولة الصناعية"، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن قائمة صناعات مستهدفة تسعى مصر لتصبح مركزا إقليميا لها، تشمل الحديد والصلب، السيارات الكهربائية، الصناعات الهندسية والإلكترونية، البتروكيماويات، والهيدروجين الأخضر، باعتبارها صناعات المستقبل ومحركات التحول نحو اقتصاد تنافسي ومستدام.

ومن جانبها، وضعت وزارة الصناعة خريطة استثمارية طموحة تضم أكثر من 28 صناعة، تتوزع بين صناعات تقليدية تحتاج إلى تعميق المكون المحلي، وأخرى تكنولوجية تستهدف نقل الخبرات والمعرفة إلى الداخل المصري، وتهدف  هذه الاستراتيجية التوسع في الإنتاج، وتوطين التكنولوجيا، وتحقيق قيمة مضافة حقيقية داخل الاقتصاد الوطني.

757.jpg
السباق نحو القمة الصناعية.. هل تستطيع مصر أن تصبح عاصمة التصنيع في الشرق الأوسط؟

تحديات أمام مصر للتحول لمركزا صناعيا إقليمياً 

تمتلك مصر منظومة من المقومات التي تمنحها موقعا تنافسيا فريدا في المشهد الصناعي الإقليمي، أبرزها موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعلها نقطة التقاء بين ثلاث قارات، وقناة السويس التي تمثل واحدًا من أهم شرايين التجارة العالمية.

إلى جانب ذلك، هناك سوق محلية ضخمة تضم أكثر من 110 ملايين مستهلك، وشبكة متنامية من الطرق والموانئ والمناطق الصناعية التي شهدت تطورا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، فضلًا عن اتفاقيات تجارة حرة تتيح الوصول إلى أسواق إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط بسهولة نسبية.

إلا أن المفارقة اللافتة أن هذه العناصر نفسها التي تراها الدولة مرتكزات قوة، يراها كثير من المستثمرين عناصر تحتاج إلى إدارة أكثر كفاءة، فالموقع المتميز لا يكتمل دون منظومة لوجستية منخفضة التكلفة، والبنية التحتية وحدها لا تكفي ما لم تقترن بسياسات طاقة مستقرة وبيئة تنظيمية مرنة.

758.jpg
السباق نحو القمة الصناعية.. هل تستطيع مصر أن تصبح عاصمة التصنيع في الشرق الأوسط؟

تحديات الطاقة ودعم الصناعة

وتُعد الطاقة العصب الأساسي لأي نهضة صناعية، لكنها في الوقت ذاته تمثل أحد أكثر التحديات تعقيدا أمام الصناعة المصرية، فالصناعات الثقيلة كالحديد والبتروكيماويات والأسمنت تستهلك كميات هائلة من الغاز والكهرباء، وفي حين كانت مصر قبل سنوات مصدرا للطاقة، أصبحت اليوم مستوردة للكهرباء، وهو ما يفرض ضغطا متزايدا على الموازنة العامة، ويضع الحكومة أمام معادلة صعبة، فكيف يمكن دعم الصناعة دون تحميلها التكلفة الفعلية للطاقة؟

ويجمع خبراء الصناعة على أن توفير طاقة مستقرة بأسعار تنافسية هو الشرط الأول لتوطين الاستثمارات طويلة الأجل، خاصة في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل صناعات الحديد والصلب والأسمدة والبتروكيماويات.

نقص العمالة المدربة

في ملف العمالة، تبدو الصورة مزدوجة أيضًا، فمصر تمتلك قوة عمل ضخمة وتكلفة أجور منخفضة نسبيا مقارنة بالعديد من الدول المنافسة، وهي ميزة مهمة، لكن في المقابل، نقص العمالة المدربة يمثل عقبة هيكلية أمام خطط التحول الصناعي، إذ لا تزال الفجوة كبيرة بين مخرجات التعليم الفني واحتياجات السوق الفعلية.

ورغم توسع الدولة في إنشاء مدارس فنية متخصصة، إلا أن الخبرات الفنية والتقنية المتقدمة ما زالت محدودة، مما ينعكس على كفاءة الإنتاج وجودة المخرجات الصناعية داخل مصر.

759.jpg
السباق نحو القمة الصناعية.. هل تستطيع مصر أن تصبح عاصمة التصنيع في الشرق الأوسط؟

المواد الخام وسلاسل الإمداد

تعاني العديد من الصناعات في مصر من اعتماد مرتفع على مدخلات الإنتاج المستوردة، سواء كانت خامات أساسية أو مكونات وسيطة، وفي الوقت الذي تملك فيه البلاد مزايا نسبية في بعض الموارد كالخامات المعدنية أو الأسمدة، تظل صناعات الإلكترونيات، الكيماويات، والمكونات الهندسية مرهونة بالخارج. 

والنتيجة أن الجزء الأكبر من الواردات المصرية حاليا يتمثل في مستلزمات الإنتاج، ما يجعل الصناعة عرضة لتقلبات الأسواق العالمية ويضعف قدرتها على المنافسة أو التوسع التصديري.

كيف تصبح مصر مركزا صناعيا إقليمياً؟

يرى مستثمرون تحدثوا إلى "العربية بزنس" أن النهضة الصناعية لا تتحقق بالتوسع الأفقي في عشرات القطاعات في وقت واحد، بل بالتركيز على قطاعات محددة تمتلك فيها مصر ميزة نسبية واضحة، ومنحها حوافز مدروسة ومستمرة تشمل الطاقة والضرائب والتمويل. 

وأكد الخبراء أن التجارب الصناعية العالمية الناجحة - من كوريا إلى فيتنام ـ أثبتت أن التخصص في بعض الصناعات أسبق من التنويع، وأن بناء صناعة قوية يحتاج إلى رؤية متدرجة توازن بين الطموح والقدرة التنفيذية.

760.jpg
السباق نحو القمة الصناعية.. هل تستطيع مصر أن تصبح عاصمة التصنيع في الشرق الأوسط؟

ومما لا شك فيه، تمتلك مصر المقومات التي تؤهلها لتكون مركزا صناعيا إقليميا مؤثرا، لكن تحقيق ذلك يتطلب تحولا هيكليا عميقا في السياسات الصناعية والطاقة والتعليم الفني، إلى جانب بيئة استثمارية أكثر استقرارا ووضوحا في الحوافز والتشريعات، ويبقى السؤال مفتوحا: هل تنجح مصر في ترجمة طموحاتها إلى واقع يقودها نحو عصر صناعي جديد؟.. هذا ما ستكشف عنه السنوات القليلة المقبلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق