قيود الصين على المعادن النادرة ... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فرضت الصين قيودًا جديدة على تصدير المعادن النادرة، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا جديدًا في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، لكنها هذه المرة أدت إلى نتيجة غير متوقعة، إذ دفعت حلفاء واشنطن التقليديين في أوروبا وآسيا إلى الاصطفاف خلف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، في مواجهة ما يعتبرونه "ابتزازًا اقتصاديًا صينيًا" يستهدف سلاسل التوريد الحيوية العالمية.

وجاء القرار الصيني على رأس القضايا المطروحة في اجتماعات قمة الاقتصاد العالمي في واشنطن هذا الأسبوع، حيث قال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت إن الولايات المتحدة تتواصل مع حلفائها في أوروبا، وأستراليا، وكندا، والهند، والديمقراطيات الآسيوية لتنسيق ردّ شامل على ما وصفه بـ"القيود الممنهجة" التي فرضتها بكين على صادرات المعادن الأرضية النادرة. وأكد الوزير أن "العالم لن يقف مكتوف الأيدي أمام استخدام الصين لمواردها كسلاح جيو-اقتصادي".

وفي السياق ذاته، دعا وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو دول مجموعة السبع إلى التكاتف والتحرك الجماعي لمواجهة الإجراءات الصينية، فيما أشار نظيره الألماني إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرس خطوات منسقة للرد، تشمل وضع ضوابط على الشركات الصينية العاملة في الأسواق الأوروبية. كما يستعد رئيس الوزراء الأسترالي لزيارة واشنطن الأسبوع المقبل للتفاوض حول اتفاقات جديدة تخص سلاسل توريد المعادن الحيوية لتقليل الاعتماد على الصين.

وترى بكين أن هذه القيود تأتي ردًا على تشديد الولايات المتحدة ضوابطها التكنولوجية والتجارية ضد الشركات الصينية، إلا أن القرار الجديد يذهب أبعد من ذلك، إذ يُلزم حتى الشركات الأجنبية بالحصول على تراخيص مسبقة إذا كانت منتجاتها تحتوي على نسب من المعادن الصينية، بغض النظر عن وجهتها النهائية، ما أثار مخاوف واسعة من شلل جزئي في الصناعات التكنولوجية العالمية.

وقال كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في شركة Gavekal Dragonomics، إن "الخطر الحقيقي يكمن في أن تبالغ الصين في استخدام نفوذها، فتبدو كمن تُعرّض الاقتصاد العالمي للضرر دون مبرر واضح"، مضيفًا أن هذه الخطوة قد تُسرّع من جهود الغرب لتنويع مصادر المعادن النادرة.

ويأتي التصعيد في وقت حساس، إذ يستعد شي جين بينغ ودونالد ترمب لعقد لقائهما الأول منذ ست سنوات في كوريا الجنوبية خلال الشهر الجاري، وسط محاولات دبلوماسية لإحياء الهدنة الجمركية بين البلدين. لكن مراقبين يرون أن بكين لن تتراجع بسهولة عن الإطار القانوني الجديد الذي يرسّخ سيطرتها على صادرات المعادن النادرة، والذي استغرق سنوات لتطويره.

ويرى محللون أن هذه الأزمة تُعد تحولًا استراتيجيًا في موازين القوة الاقتصادية، إذ باتت الصين تتبنى أدوات الضغط التي طالما استخدمتها واشنطن مثل ضوابط التصدير والعقوبات التجارية، لكنها تواجه الآن صعوبة في إدارة الكمّ الهائل من التراخيص والمعاملات المطلوبة، ما قد يجعل تطبيق القيود انتقائيًا وفق المصالح السياسية.

في المقابل، يتنامى القلق في العواصم الغربية من أن هذه الخطوات قد تُقوّض الثقة في الصين كمورّد موثوق، وتدفع الدول إلى تنويع سلاسل التوريد نحو دول أخرى مثل أستراليا وكندا والهند وإندونيسيا. وقالت أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة Natixis، إن "الصين قد تخسر نفوذها تدريجيًا، لأن الدول حين تبدأ بإعادة التفكير في اعتمادها على المعادن الصينية، ستسعى أيضًا إلى تقليل ارتباطها بالصناعات التي تهيمن عليها بكين، مثل الإلكترونيات والرقائق".

وفي أوروبا، تدرس المفوضية الأوروبية إجبار الشركات الصينية على نقل تقنياتها إلى نظيراتها المحلية كشرط للعمل داخل أسواق الاتحاد، فيما أقدمت هولندا على الاستحواذ على شركة "نيكسبيريا" ذات الملكية الصينية لحماية أمنها الصناعي، وهي خطوة حذّرت واشنطن من تجاهلها.

ويرى سكوت كينيدي، المستشار البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن استمرار الولايات المتحدة والصين في استغلال قوتهما الاقتصادية كأداة ضغط "قد يؤدي إلى عزلهما عن النظام الدولي"، مضيفًا أن ذلك قد يدفع بقية الدول إلى بناء نظام اقتصادي عالمي جديد قائم على القواعد بعيدًا عن هيمنة القوتين العظميين.

في النهاية، يبدو أن قيود الصين على المعادن النادرة لم تُظهر قوتها الاقتصادية فحسب، بل كشفت أيضًا هشاشة النظام التجاري العالمي الذي يعتمد بشكل مفرط على بكين، بينما يجد تحالف غربي متجدد بقيادة واشنطن في هذه الأزمة فرصة لإعادة رسم خريطة النفوذ الصناعي والتكنولوجي للقرن الحادي والعشرين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق