في ظل تصاعد حدة السجال بين مصر وإثيوبيا حول "سد النهضة"، وتلميحات أميركية بالتدخل كوسيط، أكدت أديس أبابا على "أحقيتها في استخدام مواردها المائية"، وذلك بعد يومين من اتهام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لها بالإضرار بدولتي المصب، مصر والسودان.
وكانت إثيوبيا قد دشّنت رسمياً "سد النهضة" في التاسع من سبتمبر الماضي، وهو السد الذي بُني على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وسط اعتراضات مستمرة من مصر والسودان، اللتين تطالبان باتفاق قانوني ملزم ينظم آلية تشغيل السد بما لا يضر بمصالحهما المائية.
وفي كلمته خلال «أسبوع القاهرة للمياه» الأحد الماضي، حمّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إثيوبيا مسؤولية الأضرار التي لحقت بدولتي المصب، قائلاً إن إثيوبيا "تسببت في أضرار نتيجة إدارتها غير المنضبطة للسد". وأضاف: "مرت أيام قليلة على بدء تدشين السد الإثيوبي، وثبت بالدليل الفعلي صحة مطالبتنا بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لأطرافه لتنظيم تشغيل هذا السد"، مؤكداً أن "التدفقات غير المنتظمة التي صُرفت دون إخطار أو تنسيق مع دولتي المصب تسببت في تلك الأضرار".
وردت الحكومة الإثيوبية على تلك التصريحات، الثلاثاء، ببيان صحافي أكدت فيه "حقها السيادي" في استخدام مواردها المائية، مشيرة إلى أن نهر النيل ينبع من أراضيها، وأنها، وفقاً للقانون الدولي ومبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية، تتمتع "بحق مشروع وغير قابل للمصادرة" في الاستفادة من تلك الموارد. وأكد البيان أن هذا الاستخدام يهدف إلى تحقيق التنمية للشعب الإثيوبي "دون إلحاق ضرر ملموس بدول الجوار".
كما رفض البيان الاتهامات المصرية باستخدام أديس أبابا "إجراءات أحادية" في التعامل مع قضية السد، مشدداً على أن إثيوبيا "أدارت مشروع السد بشفافية كاملة"، وقدمت بيانات فنية دورية حول مراحل الملء والتشغيل إلى كل من مصر والسودان، سواء عبر آليات الاتحاد الأفريقي أو من خلال القنوات الدبلوماسية المباشرة.
وفي تطور لافت، تحدث مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مساعد وزير الخارجية مسعد بولس، عن وساطة أميركية محتملة، وقال في تصريحات تلفزيونية، مساء الاثنين، إن هناك "احتمالية أن يكون هناك مبادرة للرئيس ترامب تجمع الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي، والإثيوبي آبي أحمد لحل المشكلة". واعتبر بولس أن ملف سد النهضة "مهم واستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة"، مؤكداً أن بلاده تسعى لإيجاد حلول سلمية، وأن "موقف واشنطن من السد واضح، ويقوم على التروي والحوار السلمي للوصول إلى إطار تقني متفق عليه"، مشيراً إلى أن السد "أصبح واقعاً"، وأن "الخلاف حوله تقني وليس سياسياً".
وعلّقت الدكتورة نهى بكر، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، على التصريحات الأميركية وربطتها بما وصفته بـ"الزخم السياسي الذي شهدته قمة شرم الشيخ بشأن غزة"، خاصة مع حضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحديث مستشاره عن وساطة محتملة.
ورأت بكر أن الوساطة الأميركية "قد يكون لها دور كبير"، خاصة في ظل العلاقة الجيدة بين السيسي وترامب، لكنها ربطت فاعلية تلك الوساطة بـ"مدى تغير الموقف الإثيوبي المتعنت"، حسب تعبيرها.
وأشار البيان الإثيوبي، الثلاثاء، إلى ما وصفه بـ"معاناة الشعب الإثيوبي لأكثر من قرن وهو يشاهد استغلال موارده المائية دون أن ينال منها نصيباً عادلاً"، معلناً رفض إثيوبيا للاتفاقيات التي أبرمتها الحقبة الاستعمارية، والتي عدّتها "غير ملزمة لها قانوناً أو سياسياً". كما عبّرت أديس أبابا عن استعدادها للانخراط في "مفاوضات جادة ومسؤولة لتعزيز التعاون وبناء الثقة بين مصر والسودان وإثيوبيا، دون فرض شروط مسبقة".
لكن السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، اعتبر في تصريحات صحفية أن البيان الإثيوبي "يستمر في تكرار المغالطات الجغرافية والقانونية الدولية"، مشيراً إلى أن النيل الأزرق "رافد من روافد نهر النيل وليس نهراً مستقلاً له صفة النهر القومي"، كما أشار إلى أن "حديث إثيوبيا عن السيادة على النهر غير دقيق من الناحية القانونية".
ترامب:"تمكنت من تجنيب مصر وإثيوبيا حرباً محتملة بسبب السد"
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تحدث عن قضية سد النهضة أربع مرات خلال الشهور الثلاثة الماضية، وكان آخرها في سبتمبر الماضي خلال حفل العشاء السنوي الرابع لمؤسسي معهد «أميركان كورنر ستون» في فيرجينيا، حيث قال إنه "تمكن من تجنيب مصر وإثيوبيا حرباً محتملة بسبب السد"، مؤكداً أن إثيوبيا "بنت سداً من أكبر السدود في العالم، وهذا يؤثر على المياه المتدفقة إلى النيل، وهذه مشكلة كبيرة".
من جهته، أكد السفير رخا أن "الوساطة الأميركية، حال تحققها، يجب أن تكون وساطة ضاغطة على إثيوبيا"، مشدداً على أن "قضية سد النهضة تحتاج إلى قرار سياسي، وليست مجرد خلاف فني"، ومعتبراً أنه "لا يمكن التكهن بأي سيناريوهات تنتج عن تصاعد السجال المصري - الإثيوبي".
يُذكر أن واشنطن كانت قد استضافت، خلال ولاية ترامب الأولى، جولة مفاوضات حول سد النهضة عام 2020، بمشاركة البنك الدولي. ورغم ما شهدته المفاوضات من تقدم بين مصر وإثيوبيا والسودان، فإنها لم تصل إلى اتفاق نهائي بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق الذي جرى التوصل إليه آنذاك.
وفي السياق ذاته، صرّح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد الماضي، بأن "الجانب الإثيوبي استغل فترة المفاوضات لفرض الأمر الواقع"، مؤكداً أن "مصر تحتفظ بحقها في الدفاع عن مصالحها، وهو موقف واضح لا يحتمل اللبس"، مشيراً إلى أن بلاده "تتابع عن كثب أي تطورات تحدث في منطقة الحوض الشرقي".
0 تعليق