حلم أي لص أن يسرق "جملًا"، والجمل هنا في أكبر معانيه هو "بنك" مثلًا، فهذه هي كبرى الغنائم، التي تتجسد داخلها كل كنوز "مغارة علي بابا" في القصة الشهيرة:"ذهب، مرجان، ياقوت، ألماس، ماس، دولارات. "وككل اللصوص في الشرق، لابد أن يؤكد على التقوى والإيمان بعد كل نهبة، فيصرخ اللص: "أشكرك يا رب!".
ومع هذا، فالحرامي بكل أطماعه وجشعه ونهمه، تبقى كل أهدافه "مادية" بحتة. أما الإرهابي وحامي الإيمان وكل من على شاكلتهم، ففي داخل قلوبهم الدموية تسكن "مغارة لصوص" متوحشة ذات أنياب قذرة. رغبتها الأولى والأخيرة هي سرقة أعظم وأخطر شيء، سرقة "السلطان الإلهي". سرقة رحمة الله وعدله ومحبته للبشر، "عيال الله"، أبنائه وصنعة يديه.
داخل كل إرهابي، مع الظلمة والتشدد وضيق الأفق، يتعمق شعور مرضي بكونه "ديّانًا" للناس. لا يصبر لدينونة الله يوم البعث وحكمه في الآخرة. فيظن نفسه قائمًا بأعمال "الإدانة"، التي هنا تعني حكمًا نهائيًا لا يقبل استئنافًا ولا نقضًا، ولا نقاشًا ولا جدلًا. لذلك، وبسهولة إصدار الأحكام النهائية القاطعة، يقتل ويعدم ويفجر إذا تمكنت له الظروف وتوفرت الأسلحة، ليقوم بمهمة "الديّان" المقدسة.
يرفض صفات "الرحمة"، ولا يصبر لتحقيق "العدل"، بل يأكله عقله الضرير وينفذ على الفور، بعد أن يصنف البشر برعونته إلى "كفار، وزنادقة، ومشركين، ومنافقين، ومهرطقين، ومبتدعين". يظن نفسه مكلفًا بتنظيف الأرض منهم، ولا تجد بينهم صاحب تفكير منطقي ولو لثوانٍ قليلة.
فلو نظر إلى رحمة الله التي وسعت كل شيء، لوجد الله -جل ذاته وعلا شأنه وتقدس اسمه- رحيمًا، عارفًا بالكل، فاحصًا للقلوب والنوايا والخفايا. عالمًا بكل ملحد ناكر لوجوده، فلا يعاقبه على الفور، ولا ينهي حياة الكفار، ولا ينزل على رؤوسهم نارًا تحرقهم ووحوشًا تأكلهم. بل يتركهم آكلين، ناجحين، فرحين، سعداء (انظر إلى الملايين في كوكب اليابان، والصين، والهند مثلًا).
لكن الإرهابي، سارق السلطان، مصدر الأحكام ومنفذها، أعمى القلب والبصيرة؟ يظن نفسه وحده "وكيل الله"، حامل الراية والسيف والمسدس والقنبلة والكلمة الحازمة الجامعة المانعة، مخلص الأرض من خلائق الرب.
الإرهابي هو الوجه العنيف والمتمكن من "حماة الإيمان"، الذين يتشدقون بدين المحبة غير المشروطة، ويتغنون ليلًا ونهارًا بمحبة الأعداء. وكبيرهم لديه كتاب بعنوان "المحبة قمة الفضائل"، بينما لأفعالهم عدوات لا تظهر فيها محبة ولا رحمة، باطنة أو ظاهرة.
فذاك الذي كتب هذه الصفحات الطويلة حرم كثيرين من الصلاة على جثامينهم، وهم موتى لا حول لهم ولا قوة، ونزع من قلبه رحمة عزاء أهلهم. هل رأيتم انتقامًا إلى هذا الحد يصل لأبواب القبر؟! وعلى غراره، طالب أبناؤه الذين يسيرون على خطى قلبه وقلمه مؤخرًا بالتأكد من توبة سيدة راحلة للموافقة على الصلاة على جثمانها.
إذا كان هؤلاء هم أهل المحبة، فماذا عن أبناء الكراهية؟ وهنا نتغنى ساخرين مع الفنان محمد سعد من أغنية: "حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه؟"
0 تعليق