لا تخطئ أعين جمهور منافسات جائزة الملك محمد السادس لفنون الفروسية التقليدية، في دورتها الثامنة، حضورا شبابيا رفيعا في صفوف سرب التبوريدة المتنافسة؛ فلم يعد دور الغالبية منهم محصورا في “تعمّار البنادق”، بل باتت أيادي هذه الغالبية هي التي تعتلي صهوات الخيول وتجهد في ضغط أزندة البنادق، بمهارة تحصد اعتراف الجميع.
أثناء انتظارهم دخول “المحرك”، في إطار سلسة من الطلقات الثلاث أو “التسليمة”، التي تؤديها الفرق المتنافسة، ضمن فعاليات الجائزة المقامة موازاة مع معرض الفرس للجديدة، لا تبعث حركات شباب التبوريدة أو أحاديثهم على وجود أي توتر أو خوف؛ فوفق ما يؤكده “المقدّمون” لا يلج ‘الباردية’ الشباب الحلبات إلا بعد النضوج في استعمال البندقية كما في “التعمار” والآداب.
يوسف البهل، فارس بسربة عبد العالي بوخليق، التي قدّمت من إقليم ميدلت، شرع في ممارسة “التبوريدة” منذ مراهقته؛ “‘رْكبت وأنا صغير’، تقريبا منذ سن الخامسة عشرة”، يقول لهسبريس، مردفا بأن “جميع أفراد العائلة تقريبا يمارسون هذا الفن الذي ورثناه عن الأجداد”.
ويؤكد العشريني ذاته تمسكّه بفن التبوريدة “رغم أنه يستوجب أموالا كثيرة”، وزاد: “مشي أي واحد يقدر يدير العاود..ضروري خاص شوية دالفلوس”، قبل أن يشير إلى أن التحديات المطروحة أمام الشباب في هذا الميدان تتجاوز ارتفاع التكاليف المادية إلى التوفيق بين “اللعب” والعمل أو الدراسة.
ولهذا فإنه من الضروري لانخراط أي شاب في فن التبوريدة “أن لا يكون العمل الذي يزاوله موسوما بالضغط ويتطلب تفرغا أو يستهلك وقتا كبيرا”، وفق ما يوضحه البهل من خلاصات تجربته، خاصة أن “المغرب مليء بـ’المواسم’ والمباريات والمنافسات، سواء في إطار الإقصائيات بدار السلام أو النهائيات هنا بمعرض الفرس بالجديدة”.
وفي حالة المتحدث فإنه يزاول مهنة الفلاحة، “علما أن أغلب أصحاب الخيول تكون لقمة عيشهم من هذا القطاع؛ بحكم أنه نشاط مفتوح نوعا ما، ويجعل الفارس على ارتباط واحتكاك دائم مع الخيل”.
شغف يهزم التحديات
بخلاف البهل يتشاطر الكثير من شباب التبوريدة تحدي التوفيق بين العمل أو الدراسة والنشاط ضمن إحدى السرّب، خاصة أن “التبوريدة’ لا تدر دخلا مغريا؛ وهو ما أكده سعيد الكريشي، البالغ 23 سنة، بقوله: “حتى واحد معندو ربح فهادشي”.
واستدرك الفارس الشاب بسربة جمعية فرسان الشمال، الذي التقت به هسبريس عند مرابط الخيول، في ختام منافسات اليوم الثاني من جائزة الملك محمد السادس، بالتشديد على أنه لا يظن أن “ثمة من يستطيع، ممن مارسوا التبوريدة مرة، أن يتخلى عن هذا الفنّ التقليدي؛ فهو موروث يتعيّن أن نحافظ عليه”.
وفي ظل هذا الوضع “تبقى لكل شاب فارس طريقته في إيجاد ‘الفراغات’ لممارسة التبوريدة، ومشاركة سربته في أنشطتها ومنافساتها”، وفق الكريشي، مؤكدا أن الأمر يطرح تحديا للشباب، لكن “بحكم أن جميع الفرسان لديهم أمر شاغل، عملا كان أو دراسة، يتركونه من أجل المشاركة في المسابقة، فإنك تصبح ملزما بالمجيء كذلك”، بتعبيره.
ورغم أن الشاب يمارس التبوريدة منذ كان في الحادية عشرة من عمره، وبدأ المشاركة في التظاهرات إلى جانب سربة “الكبار”، فإنه يؤكد على التمسك “بالجلوس إلى جانب القدامى في الميدان”، ويقول: “نستفيد منهم..’هما لي علمونا..ولي قايمين بنا، نطبق فقط مقولاتهم’ (توجيهاتهم، نصائحهم)”.
مسار الفروسية
سعيد بجدي، مقدّم سربة “سعيد بجدي”، أوضح لهسبريس من داخل الخيمة الممثلة لجهة الداخلة وادي الذهب أن “السربة التي تأسست قبل عامين تقريبا جميع فرسانها شباب، منهم من نضج وها هو اليوم في فريقنا ضمن منافسة جائزة محمد السادس”.
ومضى بجدي في شرح معايير وشروط مشاركة الفرسان الشباب ضمن السربة قائلا: “لدينا من مازال يتعلّم؛ بحيث يواكبنا ويتعرّف على ‘المكحلة’ وكيفية ملئها، وكذا كيفية ‘تسراج’ الخيل، فضلا عن المسائل المتعلقة بالخزانة والجلسة واحترام الآخر”، وشدد على أهمية العنصر الأخير؛ “فعندما يصبح الفارس مؤدبا وغير غافل ‘تنزيدوه يركب'”.
ويؤكد مقدّم سربة “سعيد بجدي” أن “الأداء يكون بطبيعة الحال متواضعا خلال أول مشاركة، بما أن الإنسان مبدئيا بدون ممارسة مستمرة لا يتعلّم”.
سؤال التحفيز
ورغم عشق الشباب الفرسان لفن التبوريدة وغيرتهم عليه فإن ذلك لا يمنع من تسلل اليأس إلى بعضهم بفعل “غياب” الدعم، خصوصا من قبل الفاعلين الرسميين والمنتخبين.
وفي هذا الصدد أكد بجدي للجريدة، من داخل خيمة سربته، أنه “عندما تغيب أي التفاتة ممن تمثلهم يصبح الأمر مجرد إحباط”، بتعبيره، وأضاف: “في أحايين تفكّر في الانسحاب أو عدم المشاركة إلا في ‘المواسم’ العادية ومقاطعة التظاهرات الكبرى؛ ذلك أن مصاريف المشاركة في غياب الدعم تصبح على حساب الفارس”، وزاد متحدثا عن حال سربته: “لا عمالة ولا ولاية ولا جهة..لا يوجد من أعارنا اهتماما..ما طل علينا حتى واحد”.
وأكد المقدّم ذاته، في ختام تصريحه لجريدة هسبريس، على “وجوب تعزيز الاهتمام بالسرب ودعمها، وأن يفرض على الجهات أو العمالات أو الأقاليم دعم السرّب المشاركة في المنافسة، حتى تمثلها أحسن تمثيل”.
0 تعليق