قبل وصوله إلى السلطة في يوليو/تموز (2024)، اجتذب حزب العمال البريطاني أصوات الناخبين بحلم "خفض فواتير الكهرباء" عبر زيادة دور قطاع الرياح، وهو ما أصبح محلّ شكّ في ضوء تطورات كُشِفَت حديثًا.
وما حدث فعليًا على أرض الواقع هو أن فواتير البريطانيين زادت بمقدار مليار جنيه إسترليني (1.3 مليار دولار أميركي) هي قيمة تكاليف إضافية نظير وقف تشغيل مزارع الرياح.
ووفق متابعات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لتحديثات القطاع البريطاني، انتعش إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح بفعل زيادة قدرات التوليد وبدعم من الطقس خلال العام الجاري (2024)، لدرجة اختناق الشبكة التي لم تتمكّن قدراتها الاستيعابية من مواكبة الزيادة بالإنتاج.
ويوالي حزب العمال برئاسة كير ستارمر توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة -خاصةً الرياح-، ولذلك عجّل بموعد إزالة الكربون من الشبكة 5 سنوات ليصبح في عام 2030.
وبعد أيام من فوزه بالانتخابات، أزال الحزب الحظر الفعلي على بناء مزارع الرياح البحرية، ورفع مستهدفات قدرات الرياح البحرية 4 أضعاف إلى 60 غيغاواط، والبرية ضعفين إلى 30 غيغاواط، بحلول نهاية العقد الجاري.
أزمة شبكة الكهرباء في بريطانيا
يضطر مشغّلو شبكة الكهرباء في بريطانيا إلى دفع ملايين الجنيهات لإيقاف تشغيل مزارع الرياح؛ تجنبًا لانهيار الشبكة نتيجة زيادة الأحمال؛ إذ أصبحت غير قادرة على استيعاب كل الإنتاج، وخاصة في الأيام العاصفة.
وانتهى ذلك الوضع بتحميل المستهلكين تكاليف إضافية بلغت قيمتها حتى هذا الوقت من العام (2024) مليار جنيه إسترليني (1.3 مليار دولار).
وعادةً ما يبيع منتجو الكهرباء في بريطانيا إنتاجهم مقدمًا في سوق الجملة، لكن ذلك لا يشمل القيود الهادفة إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب في الزمن الفعلي.
ولحماية الشبكة واستمرار الإمدادات، تدفع شركات التشغيل من أجل وقف بعض محطات الرياح التي لا يمكنها تغذية الشبكة بسبب اختناق الشبكة، كما تدفع لمحطات كهرباء أخرى أقرب لمراكز الطلب.
وعادةً ما يؤدي ذلك الوضع الشائع بازدياد إلى إغلاق محطات الرياح التي غالبًا ما تكون بعيدة، وتشغيل أخرى تعمل بالغاز الطبيعي كونها أقرب للمدن.
وقفز حجم الأموال المدفوعة لمحطات طاقة الرياح خلال عام 2024، لتتجاوز إجمالي العام الماضي (2023)، وجاءت في المركز الثاني مقارنة بعام 2022 عندما كانت أسعار الكهرباء أعلى 3 مرات.
وكان كير ستارمر قد وعد البريطانيين بأن تحقيق الحياد الكربوني بقطاع الكهرباء بحلول 2030 سيخفّض الفواتير، وسيمنحهم الاستقلال الطاقي، حتى لا يقعوا رهينة في أيدي "طغاة الوقود الأحفوري"، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واقع طاقة الرياح في بريطانيا
تفخر بريطانيا بكونها صاحبة المركز الأول في تطوير وإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح البحرية في أوروبا.
وخلال السنوات الـ5 الماضية، نما أسطول الرياح البحرية بنسبة 50%، ومن المتوقع أن يتضاعف خلال الـ5 سنوات المقبلة أيضًا، وفق منصة "بلومبرغ نيو إنرجي فايننس" (BloombergNEF).
وتأتي بريطانيا في المركز الخامس عالميًا من حيث أكبر الدول توليدًا للكهرباء من طاقة الرياح في العالم، وخلال الربع الأول من 2024 أسهمت محطات الرياح بأكثر من 39% من الكهرباء، بزيادة عن 36% هي نسبة مساهمة مصادر الوقود الأحفوري.
اختناق شبكة الكهرباء في إسكتلندا
تتجلى مشكلة اختناق شبكة الكهرباء بسبب زيادة الأحمال في إسكتلندا، ومثل بقية مناطق المملكة المتحدة يضطر مشغّلو الشبكة لدفع الأموال لوقف دوران التوربينات وإنتاج الكهرباء.
وخلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم (2024)، توقفت بعض أحدث وأكبر مزارع الرياح بسبب العاصفة بيرت.
وكان من بين المزارع المتوقفة محطة سي غرين (Seagreen) بقدرة 1.75 غيغاواط الذي طوّرته شركتا "إس إس إي" الأيرلندية (SSE) وتوتال إنرجي الفرنسية وبي تي تي إي بي التايلاندية (PTTEP)، باستثمارات 3 مليارات جنيه إسترليني، وتُوصف بكونها أكبر مزرعة رياح بحرية في إسكتلندا.
كما أغلقت مزرعة الرياح فايكنغ (Viking) التابعة لشركة "إس إس إي" في جزر شيتلاند بقدرة 434 ميغاواط أبوابها، للسبب نفسه.
وتوفّر المزرعة التي تضم 103 توربينات رياح الكهرباء إلى نحو نصف مليون منزل سنويًا، ودخلت حيز التشغيل في أغسطس/ب (2024)
وعلاوة على ذلك، تخطط الشركة الأيرلندية لبناء مزرعة رياح بحرية أكبر قبالة سواحل إسكتلندا، وهو ما سيفاقم أزمة اختناق الشبكة بالإمدادات كما حدث في الصين، ما لم تتدخل الحكومة للتوسعة وزيادة قدرات الاستيعاب.
وتعليقًا على ذلك، يقول مدير الشؤون الخارجية في شركة "أوكتوبوس إنرجي" (Octopus Energy) كليم كاوتاون، إن قواعد منظومة الطاقة التي عفا عليها الزمن تؤدي إلى إهدار كميات هائلة من الكهرباء النظيفة والرخيصة.
كما انتقد دفع الحكومة الأموال لمحطات الرياح الإسكتلندية مقابل التوقّف عن الإنتاج عندما تهب الرياح، مع الدفع -في الوقت نفسه- لتشغيل محطات الكهرباء العاملة بحرق الغاز، واصفًا إياه بـ"الأمر السخيف".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- تقرير بلومبرغ عن تكاليف تشغيل محطات الرياح
- معلومات عن مزرعة فايكنغ من موقع شركة إس إس إي
- معلومات عن مزرعة سي غرين من موقع توتال إنرجي
0 تعليق