من يتحدث باسم "جيل زد"؟ .. النخبة والشباب والمغرب الذي نريد - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

“جيل Z ” لا يطلب من أحد أن يتكلم باسمه؛ بل أن يتوقف عن الكلام باسمه.

بهذه العبارة يمكن اختصار المأزق الحقيقي الذي فجّرته الرسالة المفتوحة الصادرة مؤخرًا بعنوانٍ صريح: “حان وقت التحرك في العمق”، والموجَّهة إلى جلالة الملك محمد السادس، والموقَّعة من قِبَل عشرات المثقفين والسياسيين والصحافيين والناشطين.

الوثيقة، التي قُدّمت بوصفها دعمًا لحركة “جيل Z”، جاءت في ظاهرها صوتًا متضامنًا مع جيلٍ جديد يطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد؛ لكنها في باطنها أعادت إثارة السؤال المؤلم الذي ظلّت النخبة المغربية تتجنبه في كل لحظة مفصلية:

لماذا تصرّ النخب في كل حراك اجتماعي على التحدث باسم الآخرين؟ ولماذا تكتفي بالبيانات والرسائل والعرائض بدل أن تراجع ذاتها، وتُدرك أنها لا تعيش خارج الزمن المغربي؟

فهي، وإن لم تكن في دوائر القرار، فقد كانت — كلٌّ من موقعه — شريكة في إنتاج هذا الواقع العليل الذي يرفضه الشباب اليوم.

الرسالة، التي اختارت عنوانًا أخّاذًا، تقول ما يرغب الناس في سماعه؛ لكنها تغفل ما ينبغي على النخبة المغربية أن تفعله. فهي — عن قصد أو عن غير قصد — تعكس المفارقة المزمنة في الوعي النخبوي المغربي: وعيٌ يرفع شعار المحاسبة، لكنه لا يحتمل أن يُحاسب نفسه.

في المقابل، فإن “جيل Z” لا يحتاج إلى من يرفع صوته باسمه، ولا إلى من يسبغ عليه الشرعية. إنه جيل تعلّم — عبر التجربة والخيبة — أن البلاغات لا تغيّر الواقع، وأن من سبقوه أتقنوا فنّ الخطابة والركوب على المطالب.

إن صوت “جيل Z” لا يُمثّل قطيعة مع الوطن؛ بل يتقاطع في جوهره مع “المغرب الذي نريد”، ذاك الذي يتطلع إليه المواطنون، ويريده الملك، وتسعى مؤسسات الدولة إلى بلوغه.

فمطالب هذا الجيل – في الكرامة والعدالة الاجتماعية وربط المسؤولية بالمحاسبة – ليست خارج السياق الوطني، بل تعبّر عن استمرارية الوعي المغربي في صورة جديدة: جريئة، رقمية، وعالية السقف.

ما تغيّر هو الوسيط، والأسلوب، والشكل التنظيمي — أما الجوهر فهو وطني بامتياز.

ولذلك، حين تخرج النخبة اليوم لتتبنّى بعض مطالبه، فإنها لا تُعبر عن وعي سياسي مستجد، بل عن قلق نخبوي متأخر، ونزعة استعادةٍ لمكان رمزي فقدته.

الكتابة إلى الملك ليست خطيئة؛ لكنها ليست بطولة أيضًا.

الملك ليس بحاجة إلى رسائل تُذكّره بمسؤولياته، بقدر ما يحتاج الوطن إلى نخب تتحمل مسؤولياتها هي.

الرسالة التي نحتاجها اليوم ليست إلى القصر؛ بل إلى الذات النخبوية — إلى المثقف الذي آمن بالكلمات ونسي الأفعال،

والسياسي الذي تحوّل إلى موظف انتخابي،

والإعلامي الذي يدغدغ عواطف الجمهور ويتحدث عن الحياد وهو يغرق في الانحياز،

والناشط الفيسبوكي الذي يحاول إرضاء الخوارزميات.

فالمغرب الذي يطمح إليه هذا الجيل لن يُبنى بالشعارات الرنّانة، ولا بالمزايدات البلاغية؛ بل بمراجعة صادقة، ومسؤولية شجاعة، واعتراف بأن العطب لا يأتي فقط من الدولة، بل من النخبة التي خذلت، وتراجعت، وصمتت حين كان الكلام واجبًا، ثم تكلمت حين لم يعد لكلامها وزن.

ولذلك، فإن واجب النخبة اليوم ليس أن “تتحدث” باسم هذا الجيل؛ بل أن تصغي إليه، وتراجع نفسها، وتفسح له المجال ليشارك في بناء المستقبل.

“جيل Z” لا يريد من يقول له: “نحن معكم”، بل من يقول لنفسه: “كنا مقصرين”.

ولا يطلب من أحد أن يتكلم باسمه؛ بل أن يتوقف عن الكلام باسمه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق