ترأس الأكاديمي المغربي والروائي البارز شعيب حليفي أشغال الجلسة العلمية الأولى المُنعقدة، اليوم الأربعاء، ضمن الندوة الدولية حول “الترجمة في سياق الاستشراق- رؤية جديدة”، وتنظمها الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، التابعة لأكاديمية المملكة المغربية يومي الأربعاء والخميس بحضور أبرز المترجمين والأكاديميين والدارسين المغاربة والأجانب.
استشراق واستغراب
قال أحمد شحلان، عضو أكاديمية المملكة المغربية، إن “دواعي الترجمة الأولى في الحضارة العربية شخصية ظاهرية؛ ولكنها في حقيقة الأمر كانت لأغراض بناء الدولة الإسلامية”، مبرزا أن “الترجمة أيام الأمويين ظلت وجلة بانشغالهم باستقبال أمور الدولة وتنظيمها، بعد أن امتدت آفاقها شرقا وغربا، ولم تبدأ الحركة حقا إلا مع العباسيين، فبلغت أوجها خلال القرن التاسع، وظلت نشطة، ثم بدأت تخبو لتنتهي في القرن الثالث عشر”.
وأضاف شحلان، في ورقة قدمها خلال الجلسة حول “الترجمة والمقاصد.. ترجمة الملل والنحل للغة الفرنسية، لماذا الشهرستاني وليس ابن حزم؟”، أن “العرب ترجموا عندها أعمالا علمية وفلسفية وأدبية من إنتاج حضارات سابقة، فقرأوا عن السريان والفرس والهند والإغريق، فأسسوا بيت الحكمة، وبعثوا البعثات، فترجموا نصوصا تستجيب لرغباتها، وصححوا وأعادوا ترجمة السيئ منها”، وتابع: “كانت هذه الحركة مدخلا لاستغرابهم”.
وأوضح المتحدث أن “ترجمات هذه الفترة ظلت هي المعتمدة حتى في الغرب الإسلامي؛ فبالرغم من استقلال الأندلس عن المشرق، فإن العلماء كانوا يستعملون ترجمات المشارقة. كما كانوا يستعملون مؤلفاتهم”، موردا أن “كافة العناصر الأندلسية انصهرت في بوتقة واحدة، وهي الفكر الإسلامي العربي، كما تمثل في مصادره ومظانه المشرقية أو في المؤلفات الأندلسية وكذا العلوم الضرورية مثل علم العدد والفلك وآلاته والطب والصيدلة، والميكانيكا، وما إليها من علوم دنيوية ولغوية”.
وتابع قائلا في الجلسة التي تناقش “الترجمة وصناعة المعرفة الاستشراقية”: “فلما تمثل الأندلسيون ما استوردوه، وضعوا المقدمات الضرورية للعقل والمنطق والإدراك، ولم يجدوا غضاضة من الخوض في العلوم الإلهية والفلسفية”.
وأكد أن “هذا البناء ساهم فيه كل عناصر الأندلس، مسلمين وغير مسلمين، ومن بينهم اليهود”، وزاد: “كانت اللغة العربية لغة هؤلاء اليهود، فألفوا بها في النحو واللغة والتفسير والفقه والكلام، ونقلوا جل مؤلفات أعلام الفكر العربي الإسلامي من الحرف العربي إلى الحرف العبري، دون ترجمتها إلى العبرية، مثل مؤلفات الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن باجة وابن طفيل وابن رشد، بالإضافة إلى مؤلفات في علوم العدد والهندسة والفلك والطب والصيدلة والطبيعة”.
خطاب جديد
قال عبد القادر سبيل، أستاذ الدراسات الثقافية والإنجليزية وعميد بالنيابة بكلية اللغات بسطات، إن الترجمة أداة لإنتاج خطاب جديد قد يُعزز أو يُقاوم التصورات الاستشراقية، مشيرا إلى أنه يمكن الاستشهاد بما قاله إدوارد سعيد: “إن ما يُروَج له في عالمنا الآن ليس معرفة حقة؛ بل أيديولوجيات مشبعة بفكر سياسي معين يهدف إلى التحكم في الآخر”.
ووقف سبيل، ضمن مداخلته الموسومة بـ”الترجمة ومساهمتها في إنتاج ونشر المعرفة الاستشراقية.. دراسة من منظور ما بعد كولونيالي”، عند “كيفية تحول الترجمة من نشاط لغوي محايد إلى أداة أساسية في بناء المفاهيم المعرفية وتشكيل سرديات هدفت إلى تحديد وتوصيف معالم وهوية “الشرق” من أجل “الآخر” المتمثل في الغرب، بالاعتماد على مفاهيم نظرية أساسية.
وقال المتدخل إن النظرية ما بعد الكولونيالية (أو ما بعد الاستعمارية) يمكن اعتبارها نظرية تحليلية ونقدية تعمل على استكشاف وتفسير العواقب النفسية والاجتماعية والثقافية للاستعمار والهيمنة الاستعمارية، لا سيما في فترة ما بعد الاستقلال، مبرزا أن هذه النظرية تُعد تطورا للنقد الاستعماري، وتحريرا للفكر من الهيمنة والاستعمار والاستعباد الثقافي، حيث تركز على تداخل السلطة والخطاب والهوية، والفعل والعلاقات بين الأمم والشعوب والثقافات بعد فترة الاستعمار.
وأكد الأكاديمي المغربي أن الخطاب يمكن اعتباره لغة مشحونة بفكر سياسي وأيديولوجي محدد، وله أهداف معينة، مشيرا إلى أن ما بعد الكولونيالية لا تعني مخاصمة الكولونيالية؛ بل تعني الوعي بالثقافات الأخرى والهويات والاتجاهات، والكتابات التي أُريد لها أن تندثر أو تُطمس.
وأضاف أن هذه الكتابات تعود ثانية إلى الظهور بصفتها “كتابة مقاومة” قادمة من المستعمرات، حاملة معها هويتها وتنقيباتها في خطاب المركز، حيث يستعيد الهامش نفسه وحضوره داخل المركز الذي نشأ على ثقافات الأطراف، ليجد نفسه مضطرا إلى الانتباه إليها والإصرار عليها”.
“أخطاء بحسن نية”
إجناسيو غوتيريز دي تيران بينيتا، الأستاذ الأساسي للغة والأدب بجامعة مدريد، قال إن “هناك علاقة قوية وعضوية بين الاستعمار والكولونيالية والاستشراق، وهذا أمر لا نشك فيه”.
وأوضح دي تيران بينيتا، في مداخلته الموسومة بـ”الاستعراب الإسباني المعاصر وتجديد مفهوم الترجمة العربية- الإسبانية”، أن من بين المآخذ الممكنة على إدوارد سعيد “أنه لم يأخذ بالاعتبار أعمال الجانب العلمي المعرفي المحايد للدراسات العربية أو الاستعرابية والاستشراقية”.
وأضاف الأستاذ الأساسي للغة والأدب بجامعة مدريد أن المدرسة الاستعرابية في إسبانيا “تيار يحاول أن يُقارب أو أن يقترب من الحضارة الإسلامية العربية”، مبرزا أنها “تعود إلى فترة الأندلس، ونجد أنفسنا مع مجموعة أو نخبة من المثقفين الإسبان، من مختلف الأديان والخلفيات الثقافية… وهؤلاء كانوا يريدون، لأسباب متنوعة، نقل هذه المعرفة أو هذه الحضارة التي كانت متفوقة عليهم في تلك الفترة”.
واعتبر الأكاديمي والمترجم أن ترجمة القرآن تُعد “مسألة مركزية في مجال الترجمة الاستعرابية”، مشيرا إلى أن “كثيرا من الإخوة المسلمين يقولون: إن الترجمات إلى اللغات الأوروبية عموما، واللغة الإسبانية تحديدا، فيها أخطاء كثيرة تنطلق من نية مبيتة بالضرورة”.
وتابع المتدخل عينه شارحا: “دائما أرد على ذلك. فأنا أتصور أن هؤلاء المترجمين ربما ارتكبوا هذه الأخطاء لأنهم لا يُجيدون الخطاب الديني الإسلامي… وليس لأنهم يريدون ‘تمسيح’ أو ‘تنصير’ النص الإسلامي”، موضحا أن السبب الأعمق هو “أنهم لا يعرفون جيدا، أولا، اللغة العربية، وثانيا، الأصول الإسلامية”.
ومضى إجناسيو غوتيريز دي تيران بينيتا قائلا في هذا السياق: “أنا أتصور أن هؤلاء المترجمين ربما ارتكبوا هذه الأخطاء لأنهم لا يُجيدون الخطاب الديني الإسلامي… وليس لأنهم يريدون ‘تمسيح’ أو ‘تنصير’ النص الإسلامي”، موضحا أن السبب الأعمق هو “أنهم لا يعرفون جيدا، أولا، اللغة العربية، وثانيا، الأصول الإسلامية”.
0 تعليق