جدل يرافق التربية البدنية في الابتدائي - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في إطار تفعيل التوجيه الرسمي للأنشطة الرياضية المدرسية، عمّمت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة المذكرة الوزارية رقم 24-211 والمتعلقة ببرمجة وتدبير الأنشطة الرياضية للموسم الدراسي 2024‑2025، والتي تضع الأسس التنظيمية للدخول الرياضي المدرسي على مختلف الأسلاك.

المذكرة تكرّس مبدأ إشراك التلاميذ في التعليم الابتدائي ضمن شبكة الأنشطة الرياضية المهيكلة، وتؤكد على التنسيق بين الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية والجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية لبلورة برامج ملائمة تبنى على مراعاة الفوارق العمرية والبنيات التحتية المتاحة.

وتنص المذكرة ذاتها على أن إدماج تلميذات وتلاميذ التعليم الابتدائي في الأنشطة الرياضية المدرسية يجب أن يتم ضمن “أنشطة مهيكلة ومؤطرة”، يتم تنسيقها بين المؤسسات التعليمية والمصالح الإقليمية، دون أن تُدرج هذه الأنشطة ضمن استعمالات الزمن الأسبوعية للمتعلمين على شكل حصص قارّة كما هو معمول به في السلكين الإعدادي والثانوي؛ وهو ما يعكس توجها مرحليا يروم إرساء ثقافة رياضية مبكّرة لدى الناشئة، دون المساس بالإيقاع البيداغوجي المعتمد داخل الفصول الدراسية.

وجاءت المذكرة محملة بلائحة موسعة من الأنشطة الرياضية الموجهة للتلاميذ، تتوزع بين الرياضات الجماعية والفردية، وتستحضر في جوهرها مبادئ التنوع والتكافؤ. ومن أبرز هذه الأنشطة: كرة الطائرة، والبادمينتون، والكرة الحديدية، والشطرنج، وكرة السلة، وكرة الطاولة، والتنس، وكرة اليد، وكرة القدم المصغرة 6×6، والسباق على الطريق، فضلا عن رياضات قتالية كالتيكواندو والكراطي والجيدو، إلى جانب السباحة والكرة الشاطئية وألعاب القوى والتسلق.

ولم تغفل الوثيقة الوزارية فئة التعليم الابتدائي، إذ خصصت لها مجالا ضمن البطولات الوطنية من خلال “بطولة التعليم الابتدائي”؛ وهو ما يعكس توجها رسميا نحو ترسيخ الثقافة الرياضية منذ السنوات الأولى للتمدرس، عبر إدماج هذه الفئة في النسيج الرياضي المدرسي بشكل تدريجي ومنظم.

وأثارت المذكرة الوزارية جدلا واسعا في الأوساط التربوية، حيث رأى فيها بعض الفاعلين التربويين خطوة مهمة نحو إدماج التعليم الابتدائي في النسق الرياضي الوطني، واعتبروها بداية واعدة لتعزيز مكانة الرياضة في المراحل الدراسية الأولى.

في المقابل، عبّر آخرون عن تحفظهم، معتبرين أن ما حققه المغرب من إنجازات رياضية خلال السنوات الأخيرة يستدعي خطوات أكثر جرأة من لدن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، معتبرين أن تخصيص بطولة مدرسية واحدة فقط لسلك الابتدائي لا يرقى إلى مستوى الطموحات، ولا يواكب الحاجة إلى ترسيخ ثقافة الرياضة لدى التلاميذ في سن مبكرة.

ضرورة التوسيع

اعتبرت السعدية أمزول، أستاذة مادة التربية الأسرية بمدينة مكناس، أن المذكرة الوزارية الأخيرة تمثل خطوة أولى محتشمة في مسار طويل ينبغي أن يُفضي إلى إدماج فعلي وحقيقي للتربية البدنية في سلك التعليم الابتدائي.

وقالت أمزول، في تصريح لهسبريس، إن تخصيص بطولة مدرسية واحدة لهذا السلك “لا يمكن اعتباره كافيا بأي شكل من الأشكال، ولا يعكس الرهانات الكبرى التي يطرحها تأهيل المدرسة المغربية في بعدها الصحي والبدني”.

وأوضحت المتحدثة أن المدرسة لم تعد فضاء لتلقين المعارف فقط؛ بل باتت مطالبة اليوم برعاية التوازن النفسي والبدني لدى التلاميذ، خصوصا في مراحل الطفولة المبكرة التي تتشكل فيها الميولات والسلوكات.

وتابعت: “حين نتحدث عن الجيل الجديد، فإننا نتحدث عن أطفال يعيشون في واقع رقمي طاغٍ، وهم بأمسّ الحاجة إلى أنشطة بدنية منتظمة، وليس فقط إلى تظاهرة موسمية قد لا تشمل جميع المتعلمين”.

وأكدت أمزول أن وزارة التربية الوطنية مطالبة بوضع خارطة طريق واضحة، تُدرِج التربية البدنية كجزء أصيل من المناهج الدراسية، وليس كمجرد نشاط موازٍ؛ لأن غيابها عن الابتدائي يشكل، في رأيها، “ثغرة كبيرة في بناء شخصية المتعلم، قد تنعكس لاحقا على مردوديته الذهنية وسلامته الجسدية والنفسية”.

مقاربة تدريجية

أميرة بلغازي، أستاذة مادة التربية البدنية، سجلت أن تعميم تدريس التربية البدنية في السلك الابتدائي يظل هدفا طموحا؛ لكنه يتطلب الكثير من التدرج والحذر.

وقالت بلغازي، في تصريح لهسبريس، إن “الحديث عن تعميم تدريس هذه المادة في الابتدائي سابق لأوانه، لأن شروط النجاح البيداغوجي واللوجستيكي لهذا الورش لم تكتمل بعد”.

وأضافت بلغازي أن طبيعة المرحلة العمرية لتلاميذ الابتدائي، خصوصا في السنوات الأولى، تطرح تحديات تتعلق بالقدرة الجسدية والنمو العضلي والنفسي، لافتة إلى أن “الطفل في سن السابعة أو الثامنة ليس هو التلميذ في أولى إعدادي، كما أن الهياكل التحتية المخصصة للرياضة المدرسية غير متوفرة بالشكل الكافي داخل المدارس الابتدائية؛ مما يجعل تعميم حصص التربية البدنية قرارا يجب أن يسبقه تخطيط صارم وتجارب ميدانية قابلة للتقويم”.

وأبرزت الأستاذة أن الخطوة الحالية التي تقترح إشراك تلاميذ الابتدائي في البطولة الوطنية تُعد مدخلا مناسبا للتجريب، مضيفة: “قد نبدأ مثلا بتجريب تدريس التربية البدنية في المستويين الخامس والسادس، حيث يكون التلميذ أكثر استعدادا من الناحية الجسدية؛ لكن أي تعميم شامل في الظرفية الحالية قد يُفقد العملية التربوية توازنها، ويُعرّض المتعلمين لمخاطر نحن في غنى عنها”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق