في أول ردّ فعل لها على الاتفاق الجديد بين المغرب والاتحاد الأوروبي بشأن إدراج منتجات الأقاليم الجنوبية ضمن الامتيازات التجارية، هاجمت جبهة “البوليساريو” الانفصالية، في بيان، ما اعتبرته “تحديا صارخا لقرارات محكمة العدل الأوروبية” و”إنكارا لإرادة الشعب الصحراوي”، معتبرة أن الاتفاق تم “من وراء ظهر الممثل الشرعي” و”في ظرف تفاوضي غير طبيعي”، بتعابيرها المعهودة منذ عقود.
وتعكس لغة البيان، التي تمتح من قاموس لعب دور الضحية (Victimisation) وتُغرق في التهويل، محاولة يائسة لإحياء رواية أضحت متجاوزة في المحافل الدولية، إذ إن المغرب لا يوقّع هذه الاتفاقات بصفته طرفا معتديا كما توحي بذلك الجبهة؛ بل كدولة ذات سيادة كاملة على ترابها، معترف بها من قبل الأمم المتحدة وتُربطها باتحاد أوروبا شراكة استراتيجية تقوم على مبدأ الربح المشترك واحترام المصالح المتبادلة.
وقال خبراء في العلاقات الدولية والقانون الدولي، تحدثت إليهم هسبريس، إن بيان جبهة “البوليساريو” يعكس ارتباكا سياسيا واضحا بعد تأكيد محكمة العدل الأوروبية على شرعية الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مشيرين إلى أن الخطاب الذي تتبناه الجبهة “يتجاهل السياقات القانونية والمؤسساتية المعتمدة داخل الاتحاد، ويُروّج تأويلا سياسيا صرفا لمقتضيات قضائية”.
واعتبر الخبراء أن محاولة الجبهة الانفصالية تقديم نفسها كطرف متضرر من الاتفاقيات الموقعة بين الرباط وبروكسيل لا تستند إلى أي أساس قانوني، إذ إن المغرب، بصفته دولة ذات سيادة، يملك الحق الكامل في تدبير ثرواته واستغلال موارده الطبيعية وفق ما تتيحه القوانين الدولية، ما دامت العملية تتم بشفافية وبتوافق مع الساكنة المحلية، وهو ما تؤكده التقارير الأوروبية نفسها.
مغالطات قانونية
أكد عبد الله فرجي، أستاذ القانون الدولي بالجامعة الدولية بالرباط، أن بيان جبهة “البوليساريو” يفتقر إلى الأساس القانوني، ويُجانب مقتضيات القانون الدولي التي تُنظّم العلاقات التعاقدية بين الدول والمنظمات الإقليمية.
واعتبر فرجي، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن الاتفاقيات التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ما يخص الأقاليم الجنوبية، تتم وفق المادة 218 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي، التي تُخضع كل اتفاق دولي لآلية المصادقة من طرف البرلمان الأوروبي؛ ما يمنحها الشرعية التعاقدية الكاملة.
وأضاف الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدولي أن الجبهة لا تتوفر على أية صفة قانونية تُخول لها الطعن أو الاعتراض على اتفاقيات دولية، بالنظر إلى غياب الاعتراف الدولي بها ككيان سيادي.
وشدد المصرح عينه على أن محاولتها الدفع بـ”تمثيل السكان” في الأقاليم الجنوبية لا يستقيم قانونيا، لأن التمثيلية تُبنى على شرعية انتخابية أو مؤسساتية معترف بها؛ وهو ما يتوفر فقط في ممثلي الساكنة المحليين داخل المؤسسات الدستورية المغربية.
هزائم سياسية
قال بوسلهام عيسات، الباحث في الدراسات السياسية والدولية، إن دفع جبهة “البوليساريو” بهذا البيان في هذا التوقيت يُفسَّر أساسا بكونها تعيش على وقع سلسلة من الهزائم المتتالية، كان أبرزها ما صدر عن محكمة العدل الأوروبية.
وأوضح عيسات، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الأوروبيين، بحكم احترامهم العميق لاستقلالية القضاء، لا يمكنهم أن يوقّعوا اتفاقيات يُمنع توقيعها قضائيا؛ وهو ما يُفقد الجبهة أحد أهم مداخلها الدعائية.
وأضاف الباحث في الدراسات السياسية والدولية أن المغرب بات، اليوم، يراكم الاعترافات والمكاسب الدبلوماسية من خلال مقاربة الحكم الذاتي، التي أصبحت تُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها الحل الأكثر واقعية ونجاعة. ولذلك، فإن توقيع اتفاق من هذا النوع ليس فقط ذا طابع اقتصادي، بل يدخل أيضا في إطار سياسي واستراتيجي أكبر، ينسجم مع ما ورد في خطاب سابق للملك محمد السادس، حين أكد أن “الصحراء هي المنظار الذي يرى به المغرب العالم؛ ما يجعل من الاتفاق مكسبا سياسيا ودبلوماسيا جديدا.
شدد عيسات على أن النقاش مع جبهة “البوليساريو” لم يعد يُطرح اليوم من زاوية “الشرعية”؛ بل إن ملف الاستفتاء الأممي تم تجاوزه عمليا، والجبهة لم يتبقّ لها سوى التلويح ببعض الأوراق القديمة التي لم تعد تجد صدى يُذكر في المنتظم الدولي.
0 تعليق