الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية .. دعوات للتحصين من حروب الإشاعة - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بمناسبة الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية، الذي يُحتفى به خلال الفترة ما بين 24 و31 أكتوبر من كل سنة، واختير له هذا العام شعار “العقول فوق الذكاء الاصطناعي.. الدراية الإعلامية والمعلوماتية في الفضاءات الرقمية”؛ تتجدد التحذيرات من تصاعد موجة التضليل الرقمي واستعمال الإشاعات كسلاح جديد في حروب الجيل الحديث، التي تستهدف ضرب استقرار المجتمعات.

وأكد مهتمون، في تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تعزيز الوعي الرقمي والدراية الإعلامية والمعلوماتية يُعد بمثابة درع وقائي ضروري لمواجهة هذا النمط الجديد من التهديدات، مشددين على أن التحدي لم يعد تقنيا فقط؛ بل هو معركة وعي جماعي تتطلب تضافر جهود مختلف الفاعلين المجتمعيين لحماية الفضاء الرقمي الوطني من محاولات الاختراق المعنوي والتضليل المنهجي الذي يستهدف أمن واستقرار المغرب، الذي يُعد من أكثر الدول استهدافا بالحملات الرقمية التي تُدار أحيانا من جهات خارجية.

ثورة معلوماتية

قال أنس أبو الكلام، الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش والخبير الدولي في الأمن المعلوماتي، إن “العالم اليوم يشهد ما يمكن وصفه بـ«الانفجار المعلوماتي غير المنضبط». فبفضل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، أصبحت المعلومة تنتقل بسرعة الضوء دون أي تحقق أو تمحيص؛ غير أن هذه السرعة جاءت بثمن باهظ، وهو تآكل الثقة في الفضاء العمومي وتفكك الوعي الجماعي وتصاعد ظاهرة التضليل المتعمد”.

وأضاف أبو الكلام، في تصريح لهسبريس، أن “المعلومات المضللة ليست مجرد أخبار كاذبة، بل هي سلاح رقمي يُستعمل أحيانا لتوجيه الرأي العام، أو التأثير على الانتخابات، أو خلق توترات اجتماعية أو طائفية، بل وحتى تهديد الأمن القومي للدول”.

وأبرز المتحدث أن “الخطورة تتجلى في أن المحتوى المضلل غالبا ما يكون أكثر جاذبية وانتشارا من الحقائق، لأنه يعتمد على الإثارة والعاطفة أكثر من الموضوعية والعقل. وقد بينت الدراسات أن الأخبار الزائفة تُشارك عبر المنصات الاجتماعية بسرعة تفوق الحقيقة بست مرات، مما يجعلها قوة مؤثرة في تشكيل الإدراك الجماعي”.

وتابع الخبير الدولي في الأمن المعلوماتي بأن “المعلومات المضللة باتت في العقد الأخير جزءا لا يتجزأ من «الحرب السيبرانية الصامتة»، حيث تُستخدم لتفكيك الثقة المجتمعية، وخلق بيئات رقابية مفخخة نفسيا، وإضعاف قدرة الدولة على مقاومة التهديدات الرقمية. وفي حالة المغرب تحديدا، تشير تقارير عديدة إلى أن المملكة صارت من أكثر الدول تعرضا لهجمات إلكترونية مركزة”.

وشدد الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش على أن “هذا الأمر يُظهر بوضوح أن الدراية الإعلامية والمعلوماتية ليست مجرد أداة ثقافية، بل خط دفاع استراتيجي وطني، إذ إن عدم الوعي لدى المواطنين والمؤسسات يجعلهم فريسة سهلة لهذا النوع من الحرب الرقمية المركزة، التي تقوض عبر التضليل ما لا تستطيع الهجمات التقنية وحدها تحقيقه”، مسجلا أن “الذكاء الاصطناعي اليوم يقف على مفترق طرق؛ فهو من جهة يسهم في تفاقم ظاهرة التضليل، ومن جهة أخرى يمثل سلاحا فعالا لمواجهتها”.

استحضار الوعي

زاد أنس أبو الكلام شارحا: “يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في الحد من التضليل عبر كشف المحتوى المزيف والتزييف العميق، حيث تمكنه خوارزمياته من تحليل الفيديوهات والصور لاكتشاف مؤشرات التزييف، وهو ما تستخدمه حاليا منصات كبرى مثل «ميتا» و«يوتيوب» و«تيك توك». كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل مسار انتشار المعلومة عبر الإنترنيت وتحديد مصدرها الأصلي، مما يسهل عملية التحقق بطريقة أسرع وأكثر دقة”.

وأوضح الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش أن “بناء مجتمعات رقمية آمنة يتطلب تضافر جهود الدولة، والمؤسسات الإعلامية، والمدارس، والجامعات، والمجتمع المدني لترسيخ هذا الوعي في كل فئة عمرية”، لافتا إلى أنه “لمواجهة الحروب الرقمية الجديدة التي تُخاض بالعقول لا بالجيوش، يصبح الوعي الإعلامي والتقني درعا وطنيا، ويغدو المواطن الواعي خط الدفاع الأول عن استقرار بلاده وسيادتها الرقمية”.

وخلص أبو الكلام إلى أن “التحصين الرقمي الذاتي واجب على كل مواطن، فالمسؤولية لم تعد تقع فقط على عاتق المؤسسات، بل أيضا على وعي الفرد وطريقته في التفاعل مع المحتوى الرقمي. وبالتالي، فإن بناء فضاء رقمي آمن لا يتحقق بالتقنيات وحدها؛ بل يبدأ من العقل الواعي والمواطن المسؤول. فبقدر ما نرفع من مستوى الدراية الإعلامية والمعلوماتية، بقدر ما نحصن مجتمعنا من التضليل ونحافظ على مصداقية الحقيقة في زمن التزييف”.

ثقة مطلقة

أوضح محسن بن زاكور، دكتور في علم النفس الاجتماعي ومدير الدراسات بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أن “التعامل مع الذكاء الاصطناعي جعلنا أمام نوع من الفوضى، وما زاد الطين بلة هو ارتفاع وتيرة الاتكالية والثقة المطلقة في أدوات الذكاء الاصطناعي، حتى أصبحنا أمام نوع من التقديس لما هو متداول في الفضاء الرقمي من معلومات وأخبار”.

وأشار بن زاكور، في تصريح لهسبريس، إلى أن “ما يعمق هذا الإشكال هو غياب بدائل التوعية والتكوين على التعامل مع الذكاء الاصطناعي والمحتويات التي ينتجها، وهو ما يقتضي رفع مستوى التحسيس والتوعية، خاصة لفائدة المواطنين غير المتعلمين الذين يسهل التأثير عليهم”، مبرزا أن “المدرسة والجامعة، وكذا الأحزاب وهيئات المجتمع المدني، يجب أن تقوم بدورها في تأطير المجتمع على هذا المستوى”.

وشدد المتحدث ذاته على أهمية “تحسيس رواد الفضاء الرقمي بأن أدوات الذكاء الاصطناعي أو البحث عن المعلومات باستعمال هذه الأدوات يتم من خلال بيانات مفتوحة ليست لنا أي ضمانات على مصداقيتها”.

وأبرز المختص في علم النفس الاجتماعي أن “كثرة استعمال الشباب لهذه الوسائل تقضي على القدرات النقدية؛ فصحيح أن التكنولوجيا تفرض نفسها على الواقع الاجتماعي، والإنسان بطبيعته يميل إلى كل ما هو سهل وجاهز؛ ولكن يجب العمل على تطوير الحس النقدي وحضور البديهة لدى مرتادي الفضاءات الرقمية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق