تدابير جبائية شاملة تلك التي تضمنها مشروع قانون المالية 2026، المعروض حاليا على مسطرة المناقشة التشريعية بالغرفة الأولى للبرلمان، ويُنتظر أن تستهدف – أساساً – مكافحة “اقتصاد الظل”، والعمل على استكمال مقتضيات الإصلاح الجبائي في السنة الختامية للولاية الحكومية الحالية، مع رهان واضح على تدابير جبائية تضمن تدعيم “التماسك الاجتماعي” من خلال “تمديد تطبيق المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدُّخُول”.
جاء ذلك ضمن المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية الجديد لسنة 2026، كاشفةً عن حزمة من التدابير الجبائية “الطموحة” التي تهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية متعددة.
وحسب ما طالعته هسبريس في الوثيقة الرسمية فهذه التدابير تتوزع بين محاربة القطاع غير المهيكل، انطلاقا من “توسيع قاعدة الوعاء الضريبي”، استكمالاً لخطوات تراكمية بدأت مع قوانين مالية سابقة مستندةً إلى تنفيذ الإصلاح الجبائي.
وفي حال إقرارها بالصيغة المقترحة من قبل السلطات الحكومية المختصة فإن هذه الإجراءات ستشكل إطارا جبائيا متكاملاً للسنة المالية المقبلة، يسعى إلى إرساء “عدالة جبائية أكبر”، مع ضمان مواكبة التحول الرقمي في استخلاص الجبايات وضمان إلزامية الأداء وشفافيته.
مكافحة القطاع غير المهيكل بهدف تقليص إسهامه في الناتج الاقتصادي الوطني جاءت في “صدارة الأولويات”، إذ اقترح المشروع تدابير صارمة، في محاولةٍ لتضييق الخناق على المعاملات غير المصرح بها وتعزيز شفافية الأداءات.
تضريب عائدات كراء العقارات
سيتم توسيع الحجز في المنبع (الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة) ليشمل “مكافآت الخدمات المقدَّمة من لدن بعض الأشخاص الاعتباريين”. كما سيشمل الحجز في المنبع (الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل) “عائدات كراء العقارات”؛ وهي خطوات تستهدف “ضمان اقتطاع الضريبة عند المنبع، ما يقلص فرص التملص الضريبي”.
ولفت مشروع المالية إلى “عقوبة عدم إثبات الأداء” بإحداثه “واجب تسجيل إضافي بنسبة 2% على عقود التفويت بعوض للعقارات أو الأصول التجارية التي تتم دون إمكانية إثبات وتتبع وسائل الأداء”؛ وهو تدبير رادع يشجع على استخدام القنوات المالية الرسمية في المعاملات الكبيرة.
كما تقترح السلطة الحكومية “التصفية الذاتية للضريبة على القيمة المضافة” بـ”إلزام منشآت الصناعة التحويلية بالتصفية الذاتية للضريبة على القيمة المضافة (TVA) بالنسبة للنفايات الصناعية الجديدة والمعادن والمواد المستعملة”. ويهدف ذلك إلى إدماج جزء مهم من سلاسل التوريد والإنتاج الواقعة في “منطقة الظل” ضمن شبكة الضريبة على القيمة المضافة.
أما “مراجعة كيفيات دفع الضريبة على الدخل برسم الأرباح الناشئة عن رؤوس الأموال المنقولة” فيندرج ضمن جهود تبسيط الإجراءات وضمان تحصيل فعّال لهذا النوع من الدخل.
تعزيز الاستثمار في الشركات الرياضية
في سياق آخر لم يغفل المشروع دعم القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، مركزاً على قطاعات حيوية ومؤسسات تمويلية، بإمكانها ضمان تحسين مناخ الأعمال.
ويبرز في هذا الصدد العمل على “تعزيز الاستثمار في الشركات الرياضية بالمغرب”، بما ينسجم مع التوجهات الوطنية لتطوير هذا القطاع والنهضة الرياضية الأخيرة.
كما جاء لافتاً اقتراح “إعفاءات لدعم الفلاحة”: “الإعفاء المقترح للمواد المخصّبة ودعائم النباتات من الضريبة على القيمة المضافة”، ما يعد حافزاً مباشراً يخفض تكاليف الإنتاج الفلاحي ويعزز الأمن الغذائي.
وفي إطار تسهيل الاستثمار الداخلي تقترح الحكومة في سنة 2026 “ملاءمة الآجال الإضافية للإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة لأموال الاستثمار بهدف تبسيط مساطر الاستفادة من الإعفاءات، سواء على المستوى الداخلي أو عند الاستيراد، بما يعزز جاذبية الاستثمار”.
كما يُتوقع “تطبيق سعر مناسب لفائدة مؤسسات التمويلات الصغيرة في ما يخص الضريبة على الشركات”، بغرض دعم دور هذه المؤسسات في تمويل المشاريع الصغرى وتشجيع منطق المقاولات.
التماسك الاجتماعي: “استمرارية التضامن”
أخيراً سجل مشروع المالية للعام المقبل ضرورة استدامة المجهود التضامني عبر “تمديد تطبيق المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدُّخُول”.
ومن المنتظر أن يضمن التمديد استمرار تمويل المشاريع والبرامج الاجتماعية، ويعكس التزام الدولة بتمويل ورش الحماية الاجتماعية وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية.
الملاءمة الجبائية والرقمنة
يعكس مشروع القانون التزاماً بمواكبة التطورات التشريعية والتقنية، خاصة في مجال الرقمنة والتبسيط الإجرائي.
ومن أبرز الإجراءات في شق التحول الرقمي للإدارة الجبائية “تبسيط كيفيات التوفر على العنوان الإلكتروني الواجب الإدلاء به لإدارة الضرائب، وملاءمة القواعد المتعلقة بمسك المحاسبة بطريقة إلكترونية، وتحيين الأحكام المنظِمة لواجبات التمبر بعد رقمنتها”؛ وهي خطوات تهدف إلى تسريع التحول الرقمي للإدارة الجبائية وتسهيل تواصل الإدارة مع الملزَمين.
كما تشمل “الملاءمة الجبائية” المقترحة أيضاً “الأحكام الجبائية المنظمة للمساطر المتعلقة بصعوبات المقاولة، وتوضيح النظام الضريبي المطبق على الصفقات العمومية في ما يخص واجبات التسجيل”، ما يضمن وضوحاً قانونياً أكبر في التعاملات المؤسساتية.

















0 تعليق