في أول ظهور له اعتلى هشام صابري، كاتب الدولة لدى وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات المكلف بالشغل، منصة مجلس المستشارين، مجيباً عن ستة أسئلة شفهية آنية طرحتها فرق ومجموعات الغرفة الثانية حول “الحماية الاجتماعية لشغيلة القطاع الخاص”، وقال إن “الحكومة ملتزمة بتطبيق الرؤية الملكية السامية الرامية إلى تعميم الحماية الاجتماعية والعمل على توسيعها لتشمل سائر الفئات النشيطة”.
وأضاف كاتب الدولة في الشغل، مساء الثلاثاء، أن “وزارة الإدماج الاقتصادي، من موقعها، تُركز تفاعلها حول الوضعية الملتبسة لسوق الشغل في المغرب”، معلناً أن أرقام مذكرات المندوبية السامية للتخطيط قاسية جدا: “حوالي 6 ملايين مواطن مغربي أجراءٌ محرومون من أبسط حقوقهم؛ وهو التصريح بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”؛ عادّاً هذا التدبير بمثابة “المدخل الأساسي لتوفير الاستقرار في الحياة والعمل والأمان والطمأنينة، وكذا صون الكرامة”، حسب تعبيره.
واعتبر المسؤول الحكومي ذاته أن “التصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من أجل حماية حقوقهم المضمونة بموجب القانون موضوع شائك ومُعقّد بالنظر إلى عدد المتدخلين…”، مشيرا إلى دلالة “تزامُن طرحه في مجلس المستشارين مع تخليد [اليوم العالمي لحقوق الإنسان 10 دجنبر]”.
ثلاثة مداخل أساسية
لم يخلُ حديث صابري من الانطلاق وتأطير الحماية الاجتماعية للأجراء المغاربة من مضمون خطابات ملكية سابقة، مشددا بعد إيراده مقتطفات من هذه الخطابات على أن “الملك يقُود ثورة اجتماعية هادئة تصون للمغاربة كرامتهم على حد السواء… وهو ما تعمل الحكومة على تنزيله”.
“الحكومة تعمل اليوم على تعزيز الحماية الاجتماعية للأجراء من خلال مقاربة شمولية تقوم على تعاقد اجتماعي جديد”، يورد المسؤول ذاته في جوابه المفصل، موضحا أن “هذا يتطلب توفير شروط وتدابير استعجالية ومرحلية وأخرى إستراتيجية عابرة للحكومات وأكبرُ من كل فاعل سياسي وحزبي؛ كما أنها مؤطَّرة بالموازنة بين خلق الفرص من جهة وضمان العيش الكريم للأجراء عبر ثلاثة مداخل”.
ووفق المتحدث يعد “توسيع التغطية الاجتماعية” أول تلك المداخل، وثانيها “تحسين الخدمات الاجتماعية”؛ أما ثالثها فليس سوى “تحقيق العدالة الاجتماعية”.
“مجهود جبّار” لمفتشي الشغل
أدوار “جهاز تفتيش الشغل” في تعزيز الحماية الاجتماعية للطبقة الشغيلة في القطاع الخاص كانت مَحط “إشادة وتثمين”، وفق توصيف صابري، الذي استحضر “المجهود الميداني الجبار، رغم الصعوبات والعراقيل التي تعترض مفتشات ومفتشي الشغل في مزاولة مهامهم، وقد تصل للاصطدام والتعرض للعنف اللفظي والجسدي من قبل بعض المُشغلين، وأحيانا يُعرضون للمتابعة القضائية”؛ فضلا عن “النقص الكبير في الموارد البشرية، لأن عددهم لا يتجاوز 450 مفتش شغل قانونيين ومهندسين أطباء، موزعين على 53 مديرية إقليمية بربوع المملكة”.
وأعلن المسؤول الحكومي ذاته أنه “تقررت عصرنة مقاربات التدبير الإداري بمنهجية التخطيط الإستراتيجي من خلال اعتماد ‘البرنامج الوطني للتشغيل’؛ لأجل الرفع من الكفاءة وتحسين مؤشرات الأداء”، وزاد: “استنادا الى مقتضيات المادة 16 من ظهير 1972 وكذا مدونة الشغل فإن مهمة مفتشي الشغل لا تقتصر على مراقبة الانخراطات في الضمان الاجتماعي وتوجيه الملاحظات والتنبيهات، وإحالة المحاضر المحرَّرة ضد المشغلين المخالفين لقانون الضمان الاجتماعي على النيابة العامة المختصة…”.
وفي سياق بسطِه حصيلة أرقام وإحصائيات عمل جهاز تفتيش الشغل بالمغرب أفاد صابري بأنه “تمت معالجة 23 ألفا و819 نزاعا فرديا و531 نزاعاً جماعيا؛ كما أدى تدخل المفتشين إلى تفادي 488 إضرابا بـ 483 مؤسسة”، مردفا: “من هذه الأرقام يتبين للجميع مدى المجهود الميداني الكبير الذي يقوم به هذا الجهاز”.
وإلى غاية شتنبر 2024، حسب مقدم الحصيلة ذاتها، “عالج مفتشو الشغل 18 ألفا و227 شكاية، وهذا رصيد مهم وكبير من الشكايات الفردية والجماعية المتعلقة بالحماية الاجتماعية في نظام الشغل”، مستدركا: “لكننا نطمح إلى الرفع من هذه الأرقام باعتماد آليات جديدة داعمة ورافعة لهذا المجهود، واعتماد سياسة القرب من خلال برامج رقمية مهمة بسيطة في متناول جميع الأجراء”.
كما بيّن المتحدث أوجُه “تنسيق وتعاون” قائميْن بين وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والتشغيل والكفاءات وصندوق الضمان الاجتماعي، “بهدف تعزيز الحماية الاجتماعية وبلورة سياسة التنسيق والالتقائية بين مختلف المؤسسات والأجهزة من أجل فرض احترام أحكام التشريع الاجتماعي، والمساهمة بفعالية في استقرار العلاقات المهنية بشكل يحفظ السلم الاجتماعي داخل الوحدات الإنتاجية، ويطور قدراتها التنافسية، ويحافظ على الحقوق الأساسية للأجراء”، وأجمل بالقول: “سيتم توقيع اتفاقية جديدة بين الوزارة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”، دون أن يكشف مزيدا من التفاصيل عنها.
“ليس مسؤولية الحكومة وحدها”
في سياق متصل توجّه كاتب الدولة في “وزارة السكوري” إلى المستشارين، خصوصا من ممثلي النقابات والهيئات المهنية، بأن “الورش الوطني لتعميم الحماية الاجتماعية ليس مسؤولية الحكومة لوحدها؛ بل هو التزام جماعي يستدعي تضافر الجهود، ويسائل الجميع كشركاء اجتماعيين حكومة ونقابات ومشغلين وأجراء”.
ولفت المتحدث إلى أن “الحكومة مسؤولة عن تنفيذ التشريعات المنظّمة للشغل، لاسيما في ما يتعلق بتفعيل الأدوار المنوطة بجهاز تفتيشية الشغل من أجل زجر المخالفات وإنفاذ العقوبات اللازمة”، مردفا: “في المقابل فإن المُشغِّلين مسؤولون، أيضا، باعتبارهم المسؤول القانوني عن التصريح بأجرائهم ومن واجبهم القيام بسلوك مواطِن تجاه الأجراء باعتبارهم شركاء اجتماعيين أساسيين في المقاولة”.
وفي نبرة مكاشفة استرسل صابري: “كما يسائل ذلك الأجراء باعتبارهم الطرف الضحية، إذ هُم مطالَبون بالمبادرة تجاه آليات الانتصاف المتاحة قانونيًا من خلال مدونة الشغل، وكذا المنظمات النقابية للأجراء باعتبارها فاعلة في الميدان حاملة لرسالة الدفاع عن حقوق الشغيلة؛ وهي الأعيُن التي ترى من خلالها الحكومة مدى احترام قانون الشغل داخل المقاولة”.
“ورغم تعدد الشركاء الاجتماعيين المتدخلين فإننا في الحكومة لا نُنكر مسؤوليتنا في بذل المزيد من الجهود في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، لأنه يدخل ضمن نطاق الاختصاصات الموكولة لقطاع الشغل”، يورد كاتب الدولة.