تشهد جماعة بني وليد بإقليم تاونات تأخرًا لافتًا في تنفيذ عدد من المشاريع التنموية التي سبق أن التزمت بها المجالس المنتخبة، في إطار برامج تروم تعزيز البنيات التحتية وتحسين جاذبية المركز الجماعي. من استكمال الأشغال في المركب الترفيهي، إلى تحديث الإنارة العمومية وتوسيع المرافق الخدماتية، تتعدد المشاريع وتتنوع الانتظارات، فيما مازالت الساكنة تترقب إشارات واضحة من الجهات المسؤولة بشأن مآل هذه الأوراش.
وفي ظل هذا الترقب ترتفع أصوات عدد من الفاعلين المحليين، بين من يُرجع التعثر إلى تعقيدات إدارية أو إكراهات تمويلية، ومن يعتبر التأخر انعكاسًا لغياب تصور تنموي مندمج يُعطي الأولوية للحاجيات الفعلية للسكان ويُسرّع وتيرة الإنجاز.
ولتوضيح معالم هذا التعثر تواصلت جريدة هسبريس الإلكترونية مع عدد من أعضاء المجلس الجماعي لبني وليد، من الأغلبية والمعارضة، في محاولة لرصد مواقفهم بخصوص أسباب التأخر وسبل تداركه.
وبينما يُراهن بعض المنتخبين على استكمال الأشغال قبل نهاية الولاية الحالية تُطرح في المقابل مقاربات نقدية ترى في تعثر المشاريع انعكاسًا لضعف الترافع المؤسساتي وغياب النجاعة في تدبير ملفات التنمية محليًا، وهو ما يكشف عن تباين واضح في تشخيص الوضع وتقدير الأولويات.
تعثر المشاريع
محمد الهاشمي، عضو مجلس جماعة بني وليد عن فدرالية اليسار، قال في تصريح لهسبريس إن الجماعات الترابية ليست سوى آليات للترافع المؤسساتي، ولا تتوفر على الإمكانيات المالية الكافية لإنجاز المشاريع المبرمجة، معتبراً أن هذا النقص في الموارد يشكّل أحد الأسباب البنيوية لتعثر العديد من الأوراش المحلية.
وأوضح الهاشمي أن المركب الثقافي، الذي أنجزت منه نسبة تفوق 90 في المئة، يعيش حالة توقف منذ ما يزيد عن خمس سنوات، ما جعله عرضة للتلف والتدهور، رغم أن إنجازه تم في الأصل تحت إشراف المديرية الإقليمية لوزارة الشباب والرياضة، مردفا بأن إعادة توزيع اختصاصات القطاع، بعد إدماج التعليم الأولي ضمن الرياضة، ونقل الشباب إلى قطاع الثقافة، أفضى إلى حالة من الغموض الإداري حول الجهة المخول لها استكمال المشروع.
وأضاف المتحدث ذاته أن مشروع الإنارة العمومية يعاني بدوره من عراقيل مالية، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية، كالبلاستيك والحديد، ما استنزف الجزء الأكبر من الميزانية المرصودة، ولم يتبقّ ما يكفي لتغطية كلفة المشروع، وأشار إلى أن الجماعة بصدد دفع هذا الملف إلى المجلس الجهوي من أجل دراسته وإمكانية دعمه.
ويرى عضو المجلس الجماعي أن غياب رؤية مؤسساتية قوية، وافتقار المجلس إلى آليات فعالة في الترافع والتمويل، يساهمان في استمرار تأجيل المشاريع التي ينتظرها المواطنون منذ سنوات، وحمل جزءا من مسؤولية تأخر إنجاز المشاريع المبرمجة لما وصفها بـ”الهشاشة المؤسساتية البنيوية” التي تطبع عمل المجلس الجماعي، مشدداً على أن غياب الانسجام داخل الأغلبية المسيرة – التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار – يُضعف بشكل ملحوظ آليات الترافع والتصويت داخل المؤسسة المنتخبة.
كما أوضح الهاشمي أن بعض المشاريع ظلت عالقة في رفوف اللجان فقط لأن المصادقة عليها لم تكن متماشية مع مصالح بعض الأعضاء الذين يُقدمون على تعطيل الملفات بشكل ممنهج حين لا تتحقق أهدافهم الشخصية، لافتا إلى أن بعضهم “لا يُصوّتون ولا يتركون الآخرين يصوتون”، بل يذهبون إلى حد ممارسة ما سماه “التعطيل القصدي”، واصفاً ذلك بعبارته العامية: “كيدير العصا فـ الرويضة”.
وسجل المتحدث ذاته أن أحد أبرز مظاهر هذا التعطيل يتمثل في انسحاب بعض الأعضاء بشكل متكرر من الجلسات، أو رفضهم التوقيع على محاضر، ما يجعل القرارات الجماعية رهينة الحسابات الفردية، ويُفرغ العمل السياسي من بعده المؤسساتي، واعتبر أن الخلاف السياسي من داخل الأغلبية يُعدّ أمراً مقبولاً، بل ومطلوباً أحياناً، لكنه حين يُبنى على منافع شخصية ضيقة يصبح تقويضاً صريحاً للمصلحة العامة.
وختم الهاشمي تصريحه بالتأكيد على أن ما يحدث داخل الجماعة يُظهر غياب التوافق حتى بين مكونات اللون السياسي الواحد، متسائلاً: “إذا كانت الأغلبية غير قادرة على التفاهم داخلياً فكيف لها أن تقود جماعة وتنفّذ برامج تنموية لفائدة الساكنة؟”.
تقدم نسبي
أحمد السباعي، النائب الأول لرئيس جماعة بني وليد، قال في تصريح لهسبريس إن عدداً من المشاريع التي تعرفها الجماعة تعرف تقدماً في وتيرة الإنجاز، بعد تجاوز عدد من العراقيل التقنية والإدارية التي تسببت في تعثرها خلال السنوات الماضية.
وأوضح السباعي أن المركب الثقافي، الذي ظل متوقفاً منذ سنوات بسبب تضارب الصلاحيات بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل من جهة، ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من جهة أخرى، سيعرف انفراجاً قريباً، بعد التوصل إلى اتفاق يقضي باستكمال الأشغال المتبقية من طرف وزارة التربية الوطنية، على أن تتسلمه وزارة الثقافة فور انتهاء أشغال البناء والتجهيز، وأضاف أن هذا الاتفاق جاء عقب اجتماع رسمي جمع مسؤولي الجماعة بالمدير الجهوي للتربية الوطنية.
وفي ما يخص مشروع الإنارة العمومية أكد النائب الأول لرئيس جماعة بني وليد أن المبلغ الذي خُصص من طرف وكالة تنمية أقاليم الشمال، ويُقدَّر بـ66 مليون درهم، تم توجيهه إلى مشاريع مختلفة تدخل ضمن برنامج تأهيل مركز بني وليد، وليس فقط إلى الإنارة العمومية كما يُعتقد، ولفت إلى أن هذه الاعتمادات مكّنت من إنجاز عدة تدخلات في البنية التحتية، في حين مازال استكمال مشروع الإنارة في حاجة إلى تمويل إضافي، تسعى الجماعة إلى تعبئته بشراكة مع مجلس جهة فاس-مكناس، من خلال ملف جاهز تم تقديمه للمجلس الجهوي لدراسته والبت فيه.
وبخصوص مشروع المدرسة الجماعاتية أوضح المتحدث أنه تم الاتفاق على استئناف الأشغال به، بعد التفاهم مع المقاولة المكلفة، مشيرًا إلى أن توقف المشروع في وقت سابق كان راجعًا إلى تداعيات جائحة كورونا ونقص التمويل، غير أن الجماعة تعمل الآن على استكماله في أقرب الآجال.
وفي تفاعله مع سؤال لهسبريس حول ما إذا كانت هذه المشاريع سترى النور قبل نهاية الولاية الانتخابية أكد السباعي أن ذلك هو الهدف الذي تعمل عليه الجماعة، مشدّدًا على حرصها على الوفاء بالتزاماتها أمام الساكنة.
0 تعليق