مضى الأسبوع الأول من شهر دجنبر ومازالت مؤشرات تغير الحالة الجوية للمملكة ووصول التساقطات بالكميات الكافية لم تظهر بعد، الأمر الذي يجعلنا أمام بوادر موسم جفاف جديد، من شأنه تعميق التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد والعباد، فضلا عن التأثير المحتمل لهذه المعضلة على توقعات النمو والفرضيات التي جاءت في قانون المالية برسم سنة 2025.
وبدأ الشك يتسلل مبكرا إلى نفوس الفلاحين والمهنيين بخصوص الموسم الفلاحي الجديد، حيث إن الفرحة التي عمت البلاد مع التساقطات المبكرة التي عرفتها مختلف مناطق المملكة لم تعمر طويلا بسبب غياب التساقطات بالكمية الكافية واللازمة لتحقيق بداية جيدة لموسم فلاحي عادي.
ووضعت الحكومة في مشروع قانون المالية برسم السنة المقبلة تحقيق نسبة نمو تقدر بـ4,6 بالمائة، ومعدل إنتاج يصل إلى 70 مليون قنطار من الحبوب، وهو الأمر الذي يعتبره كثير من المتابعين غير واقعي، خصوصا مع الأجواء السائدة في البلاد حتى اليوم.
في تعليقه على الموضوع، قال المحلل الاقتصادي محمد جدري إن طموح المغرب لتحقيق نسب نمو مستحسنة تتراوح ما بين 5 و7 يالمائة كفيلة بخلق الثورة والعديد من مناصب الشغل، مازال بعيد المنال، ويستدعي تطوير قطاعات السياحة والصناعة والصناعة التقليدية ومغاربة العالم، بالإضافة إلى القطاع الفلاحي.
وأفاد جدري، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن المغرب يتحكم بدرجة أساسية في قطاعات مثل الصناعة والخدمات وفعاليتها والاستثمارات التي تعرفها، معتبرا أن القطاع الفلاحي “مازال يمر من مرحلة انتقالية تمتد إلى سنة 2027″.
وأضاف أن المغرب بعد 2027 يمكن أن يتحكم في المقدرات المائية؛ لأن البرنامج الاستراتيجي للماء الصالح للشرب والسقي سينتهي في 2027، و”فيه 4 أمور أساسية، هي: إحداث قنوات الربط بين الأحواض المائية بين الشمال والجنوب عبر الطريق المائي السيار، وكل ما يتعلق بتحلية مياه البحر، إذ سنصل إلى 36 محطة لتحلية مياه البحر في أفق 2027، ومواصلة بناء السدود المتوسطة والصغيرة، وبناء مجموعة من محطات معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها في سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف”.
وأكد المتحدث ذاته أن السنتين المقبلتين تمثلان “مرحلة للتعايش مع الجفاف الذي نواجهه”، مشددا على أن الجفاف سيظل “مؤثرا على نسب النمو خلال سنوات 2025 و2026 و2027 كأقل تقدير”.
وزاد مفسرا: “بعد 2027 سنصبح متحكمين في القيمة المضافة للقطاع الفلاحي، وبالتالي اليوم 4,6 بالمائة التي وضعتها الحكومة في مشروع قانون المالية لسنة 2025 هي رهينة بتوفر محصول زراعي متوسط، يقدر بـ70 مليون قنطار من الحبوب، المرتبط بنسبة تساقطات مهمة”.
وتوقع جدري أن تصل نسبة النمو في السنة المقبلة إلى “4 بالمائة إذا كان الموسم الفلاحي ممطرا، ولكن اليوم ليس لدينا تباشير لتحقيق موسم زراعي متوسط على الأقل”، معتبرا أن السنوات الثلاث المقبلة ستبقى “مرحلة للتعايش مع البطالة المرتفعة وغياب وفرة اللحوم الحمراء والبيضاء والخضر والفواكه”، لافتا إلى أن القدرة الشرائية للمواطنين ستظل “متراجعة، لكن ينبغي مواصلة العمل والجهود من أجل بدء صفحة جديدة في الاقتصاد الوطني ولا يبقى معتمدا على الأمطار”.
من جهته، اعتبر المحلل الاقتصادي عمر الكتاني أن رهان الحكومة على تحقيق 70 مليون قنطار من الحبوب في السنة المالية 2025، يبقى احتمالا صعب التحقق، وأكد أن “كل الحسابات والمداخيل ومعدلات الإنفاق تتغير بسبب الجفاف”.
وأضاف الكتاني، ضمن تصريح لهسبريس، أن أي قانون مالية في المغرب “مبني على فرضية هطول الأمطار. وإذا لم تسقط هذه الأمطار، الكل يتغير”، معتبرا أن المغرب “أخطأ” في مرحلة ما بعد الاستقلال بعدم تمكين سكان القرى والبوادي من التعليم والتمدرس.
وأشار المحلل الاقتصادي ذاته إلى أن عدم توفير التعليم لسكان العالم القروي بعد الاستقلال هو الذي أدى إلى تغلغل “مشكلة الفقر والبطالة في البوادي خلال هذه المرحلة”، معتبرا أن المشكل الذي تعيشه البلاد “بنيوي، ومع ذلك لا تريد الدولة تبني سياسة تقشفية”.
وتوقع الكتاني أن تقفز معدلات المديونية في السنوات المقبلة بسبب الجفاف وتأثيراته على معدلات النمو الاقتصادي للبلاد، لافتا إلى أن مشاريع إحداث وبناء المركبات الرياضية لتنظيم الاستحقاقات الرياضية المقبلة ستكلف المغرب “مبالغ ضخمة ستؤديها الأجيال اللاحقة”، وفق تعبيره.