لا يزال النظام الجزائري متمسكا بخيار الاستفتاء كـ”آلية لتقرير المصير” في الصحراء المغربية، بالرغم من أن هذا الخيار بات، وفق خبراء العلاقات الدولية، “غير واقعي”، كما بات مرفوضا من قبل مختلف الهيئات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والجمعية العامة ومجلس الأمن.
ومع تزايد دعم المجتمع الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب كحل سياسي دائم وعادل، يظل النظام الجزائري، وفق المراقبين، “مصرا على التمسك بأطروحة متجاوزة تاريخيا وسياسيا”، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول خلفياته ودلالاته، في ظل التطورات الجيو-سياسية التي تشهدها المنطقة.
وتؤكد التصريحات الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة ومختلف قرارات مجلس الأمن أن حل النزاع في الصحراء المغربية يجب أن يكون سياسيا وواقعيا. ورغم هذا التوجه الدولي، إلا أن الجزائر تستمر في عرقلة أي تقدم ملموس من خلال التشبث بخيار الاستفتاء.
جمود إيديولوجي
في تحليله للسلوك الدبلوماسي الجزائري، أوضح بوسلهام عيسات، باحث في الدراسات السياسية والدولية، أن تمسك النظام الجزائري بخيار الاستفتاء “نابع من عقيدة أيديولوجية ترتبط بمواقف جذرية تجاه المغرب”.
وقال عيسات، في تصريح لهسبريس، إن “أطروحة دعم الانفصال ودعم الجمهورية الوهمية تشكل جزءا أساسيا من العقيدة الدبلوماسية الجزائرية، وقد أنفق النظام مليارات الدولارات في هذا الرهان الخاسر”.
وأضاف أن أي تغيير في هذا الموقف سيؤدي إلى اضطرابات داخلية، خاصة في ظل المعارضة الداخلية التي تطالب بتركيز الجهود على القضايا التنموية الداخلية بدلا من الانشغال بالعداء للمغرب، مشيرا إلى أن هذا “الجمود الأيديولوجي يعكس عدم قدرة الجزائر على التكيف مع المتغيرات الواقعية والجيو-سياسية”.
وشرح قائلا: “على الرغم من تراجع المواقف الدولية عن دعم الجمهورية الوهمية وتزايد الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي كمبادرة جادة وواقعية، لا تزال الجزائر تتبنى خطابا متجاوزا من حقبة الحرب الباردة”. وذكر أن هذا الموقف “يجعل الجزائر تبدو وكأنها خارج التاريخ والمنظومة الدولية التي باتت تدعم موقف المغرب”.
وتابع عيسات بأن الجزائر تتبنى خطابا مزدوجا وانتقائيا بشأن تقرير المصير. فبينما تدافع عن تقرير المصير في الصحراء المغربية، تتجاهل هذا الحق عندما يتعلق بشعب القبايل في الجزائر نفسها، ما يعكس استراتيجية معاكسة لأي تسوية سياسية حقيقية في ملف الصحراء المغربية.
“التصويت الفرنسي”
قال محمد شقير، محلل سياسي وأمني، إن تشبث الجزائر بخيار الاستفتاء يعود إلى “أسباب أيديولوجية وسياسية”، مبرزا أن “النظام الجزائري يعتبر أن مبدأ تقرير المصير لا يتحقق إلا من خلال الاستفتاء، وهو ما يرتبط بالتجربة الجزائرية في الاستقلال عن فرنسا”.
وأضاف شقير، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذا الإصرار يتجاهل التعقيدات الواقعية التي ظهرت في محاولة تحديد هوية المصوتين خلال عملية الإحصاء في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، نظرا لتركيبة الساكنة القبلية في الصحراء.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن هذا الجمود السياسي “يعكس فشلا في مواكبة المستجدات الدولية”، قائلا في هذا السياق: “في الوقت الذي تطور فيه موقف المغرب من الاستفتاء إلى مبادرة الحكم الذاتي، ظل الموقف الجزائري جامدا ولم يأخذ بعين الاعتبار التطورات التي عرفها الملف”، خالصا إلى أن هذا الجمود السياسي هو “بمثابة رفض للاعتراف بالنجاح الدبلوماسي المغربي في فرض مبادرته كحل واقعي وقابل للتطبيق”.