قال رشدي طالب، الرئيس المدير العام لمجموعة أكديطال (Akdital)، إن “المنظومة الصحية مطالبة اليوم بالتوفيق بين الإنصاف وسرعة الإنجاز والنجاعة المؤسسية، وأن تعيد بناء الثقة بين أطرافها على أساس المصلحة العامة”؛ وذلك في سياق قراءته للتحولات التي يشهدها قطاع الصحة بالمغرب، ارتباطا بالتوجيهات الملكية السامية.
وأضاف طالب، في مقال توصلت به هسبريس بعنوان: “الصحة في المغرب.. نحو شراكة ناجعة بين القطاعين العمومي والخاص في مستوى تحديات المرحلة”، أنه “لم يعد مجديا حصر النقاش في ثنائية مبسطة: عمومي يحمل عبء الصالح العام، وخصوصي محكوم بمنطق الربح”، مشددا على أن الرؤية الملكية ترسم أفقا جديدا قوامه التكامل والسرعة في الإنجاز، ومن الضروري “تجاوز ثنائية التضاد العقيمة والعمل جنبا إلى جنب”.
واعتبر الرئيس المدير العام لمجموعة أكديطال (Akdital) أن “استبقاء الطبيب يعني منحه أسباب الأمل وفرص التطور، لا مجرد منصب”، مشيرا إلى أن تجاوز نزيف الكفاءات الصحية يستدعي إعادة بناء بيئة مهنية مرنة، وتيسير الجسور بين التكوين والممارسة، في إطار شراكة فاعلة بين القطاعين، تعيد الاعتبار للعنصر البشري وتخدم السيادة الصحية الوطنية.
وفي ما يلي نص مقال رشدي طالب:
تجسد الكلمة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان المغربي، والتي أكد فيها جلالته أن المملكة المغربية تشق طريقا آمنا نحو عدالة اجتماعية ومجالية أوسع، جوهر الرهان الصحي اليوم؛ إذ إن المنظومة الصحية مطالبة اليوم بالتوفيق بين الإنصاف وسرعة الإنجاز والنجاعة المؤسسية، وأن تعيد بناء الثقة بين أطرافها على أساس المصلحة العامة.
على هذه الخلفية، يمر قطاع الصحة في المغرب بمرحلة اضطراب ممتدة؛ منظومة مجهدة لا تحكمها محدودية الموارد وحدها، بل يثقلها أيضا تراجع منسوب الثقة بين مكوناتها. فالقطاع العمومي، الضامن للخدمة الشاملة، يرزح تحت ضغط ديمغرافي متسارع وتوقعات متنامية للجودة؛ فيما رسّخ القطاع الخاص مكانته حلقة أساسية في العرض الوطني، لكنه كثيرا ما ينظَر إليه بريبة، كمنافس لا كشريك — رغم إسهامه الفعلي في توسيع التغطية ورفع نوعية الرعاية. وفوق ذلك، أثبتت تجربة الجائحة أن الحواجز تسقط حين تواجه البلاد المحنة، إذ اشتغل العمومي والخصوصي كتفا بكتف لإنقاذ الأرواح؛ ما يوفّر أساسا عمليا لمرحلة جديدة عنوانها التكامل المعلن في خدمة الصالح العام.
أما على صعيد الموارد البشرية، فيضم المغرب، اليوم، نحو 32 ألف طبيب مزاول؛ وهو رقم لا يزال دون العتبة الموصى بها دوليا. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة في التكوين—بمتوسط 2100–2200 طبيب جديد سنويا مع استهداف 5000 ابتداء من 2026— فإن المنظومة تفقد كل عام مئات الأطباء بفعل الهجرة نحو أنظمة أكثر جاذبية. ومن ثمَّ، يتضح أن الإشكال ليس كميا فقط؛ بل هو بنيوي ومعنوي أيضا، ويستلزم إعادة بناء شروط الثقة كي يبقى المهنيون وينخرطوا ويؤمنوا بوعد منظومة وطنية ناجعة وعادلة.
تجاوز ثنائية التضاد العقيمة والعمل جنبا إلى جنب
وانطلاقا من هذه المعطيات، لم يعد مجديا حصر النقاش في ثنائية مبسطة: عمومي يحمل عبء الصالح العام، وخصوصي محكوم بمنطق الربح. فالتقدم، كما ترسمه الرؤية الملكية، يقوم على التعاون والتكامل والسرعة في الإنجاز؛ ولا ينبغي للصحة أن تكون استثناء. صحيح أن بعض ممارسات القطاع الخاص غذّت الشكوك، كغموض التسعير أو الانتشار غير المنظم وضعف التواصل؛ لكن اختزال القطاع في هذه الاختلالات مجافٍ للواقع. في المقابل، ساهم الفاعلون الخواص على الأرض في رفع جودة الخدمات وتوسيع العرض الترابي.
وفي هذا السياق، تجسد مجموعة أكديطال (Akdital) هذا المسار: أكثر من 4500 سرير موزعة عبر التراب الوطني، ونحو 10 آلاف متعاون يقارب 80 في المائة منهم فئة دون الأربعين، مع حضور فعال في جهات بعيدة عن المراكز الطبية الكبرى. مؤسسات الداخلة وكلميم والرشيدية والناظور مثال على أن الصحة الخاصة يمكن أن تكون رافعة للتماسك الوطني كما هي رافعة للاستثمار. وعليه، ليست الغاية استبدال نموذج بآخر، بل حشد مكامن القوة: دولة استراتيجية ضامنة للإنصاف، وقطاع خاص مسؤول ومبتكر يوفر المرونة والخبرة والقرب. هذا التصور براغماتي محوره مصلحة المريض، لا الدفاع عن حدود مؤسسية.
التحدي البشري.. المحافظة على الكفاءات وتكوينها وتثمينها
وبالانتقال إلى لب المسألة، لا تقوم أية منظومة صحية بغير رأسمالها البشري. هجرة الكفاءات الطبية نزيف صامت يهدد على المدى البعيد السيادة الصحية. ولمواجهة ذلك، يلزم بناء بيئة مهنية مرنة تتكامل فيها التكوين والبحث والممارسة السريرية، بدل دفع الأطباء إلى الاختيار بين وظيفة عمومية مقننة وبين قطاع خاص موصد. ومن هنا، تبرز قيمة الشراكات بين الجامعات والمؤسسات الصحية الخاصة لتجديد نماذج التعليم السريري والتكوين المستمر، مع تيسير الجسور المهنية كي تتداول الكفاءات وتتلاقح وتتقوى اللحمة المهنية الوطنية.
وفي المحصلة العملية، تُوجّه هذه القناعة عملَ أكديطال: فرق شابة، متوازنة النوع، ومنحدرة من مختلف الجهات، تجسد جيلا جديدا من المهنيين المرتبطين ببلدهم. مسؤوليتنا أن نوفر لهم شروط ممارسة تجمع بين الصرامة الطبية والاعتراف المهني والرسوخ الإنساني. فاستبقاء الطبيب يعني منحه أسباب الأمل وفرص التطور، لا مجرد منصب.
إعادة بناء الميثاق العمومي-الخصوصي.. زمن الشجاعة الجماعية
استنادا إلى ما سبق، ما دام التشخيص معروفا، فإن ساعة إعادة التأسيس قد دقت. المطلوب سياسات سريعة، عادلة مجاليا واجتماعيا، تقيم بنتائجها الملموسة. وعليه، تبدو مناظرات وطنية للصحة خطوة لازمة تجمع كل الفاعلين — المؤسسات العمومية، المهنيين، النقابات، المستثمرين، جمعيات المرضى، والجماعات الترابية— حول طاولة واحدة لبناء ميثاق عمومي-خاص مجدد. الهدف ليس تبادل الاتهامات؛ بل إعادة صوغ التكاملات وفتح الملفات الحساسة بشجاعة: مكانة طبيب القطاع العام، شفافية التسعير، خريطة البنيات والتجهيزات، وأُطُر التخطيط الصحي.
والمبتغى، رؤية مشتركة تتقدم فيها أخلاقيات الرعاية على الأنانيات الفئوية.
وبالنسبة إلى القطاع الخاص، لا يطلب امتيازا؛ بل اعترافا به شريكا كاملا منخرطا في الجهد الوطني. وفي أكديطال، خطنا واضح: أن نكون جزءا من الحل، لا جزءا من المشكلة. وبالتالي، تبقى الغاية بسيطة: جعل الصحة ورشا للوحدة الوطنية لا ساحة للاصطدام.
ختاما، حين يدعو جلالة الملك إلى السرعة، فإنه يدعو إلى المسؤولية؛ وحين يتحدث عن العدالة المجالية، فإنه يحث على التعاون؛ وحين يذكر النجاعة، فإنه يطلب النتائج. على هذا النهج تأتي مبادرتنا: نبني، إلى جانب الدولة، منظومة صحية مغربية عصرية متضامنة تليق بطموح المملكة.
0 تعليق