في خطوة جديدة تبتغي تمكين العمال والعاملات المنزليين من وسيلة للانتفاض ضد الانتهاكات والممارسات التعسفية التي تطالهم بين الفينة والأخرى من طرف مشغليهم، وافقت الحكومة على منح هذه الفئة حق الإضراب بإضافتها إلى الفئات المسموح لها بممارسة هذا الحق بمقتضى القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي جرت المصادقة عليه من قبل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، أخيرا، بعد مسلسل طويل من الشد والجذب بين الحكومة من جهة والمعارضة والنقابات من جهة ثانية.
فعاليات حقوقية ونقابية مواكبة ومدافعة عن هذه الفئة لا تخفي تثمينها وإشادتها بـ”المكسب الجديد” الذي تمت من خلال “إضافة الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا لنص المادة الرابعة من المشروع، للتدليل على العمال المنزليين”؛ فهو “سيمكن العمال المنزليين من انتزاع مكتسبات مأمولة كالرفع من الأجور وتخفيض ساعات العمل خصوصا إذا كان الإضراب جماعيا”، و”يساعد الهيئات النقابية على الدعم القانوني للمهنيين”.
غير أن هذه الفعاليات تأبى إلا أن تسطر على تحديات عديدة “تعيق استثمار المهنيين لهذا الحق على أرض الواقع، على رأسها افتقار غالبيتهم إلى عقود العمل والحماية القانوني، فضلا عن الخوف من الانتقام والعزلة؛ عدا عن كون قرار فئة منهم هم القاصرون مرتهنا في هذا الشأن إلى أسرهم””.
“مكاسب وتحديات”
معلقة على الموضوع، قالت إيمان غنيمي، رئيسة المنظمة الديمقراطية للعاملات والعمال المنزليين، إن “تمكين هذه الفئة من حق الإضراب سيمكنها من التعبير عن مطالبها وحماية حقوقها، خاصة في حالات الاستغلال أو التمييز من أصحاب العمل”، لافتة إلى أنه “يكسب المهنيين القدرة على التفاوض الجماعي للحصول على مكتسبات أفضل على مستوى الأجور وساعات العمل، خصوصا إذا ما تم الاتفاق عليه بينهم”.
وأضافت غنيمي، في تصريح لهسبريس، أن “هذا المكسب الاجتماعي سيساعد على رفع الوعي الاجتماعي حول أهمية العمل المنزلي كقطاع يجب تنظيمه وحمايته من الاستغلال”، مبرزة “عبر الإضراب المشرّع تصبح أكثر قدرة على تقديم الدعم القانوني والتفاوضي للمهنيين، مما يعزز دورها في تحسين شروط العمل”، مردفة أن “هذا الحق خطوة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق هذه الفئة من العمال وإنصافها”.
بالمقابل، ذكرت غنيمي “صعوبات عديدة تواجه استثمار المهنيين لهذا الحق على أرض الواقع”، موردة: “غالبيتهم يعانون العمل غير المهيكل؛ حيث لا يملكون عقود عمل موثقة ولا يتمتعون بالحماية القانونية المناسبة، مما يصعب تفعيلهم للإضراب”، لافتة إلى أن “هؤلاء يواجهون صعوبات اجتماعية وثقافية في ممارسة حق الانتماء النقابي أولا، ناهيك عن الإضراب، حيث يُنظر إلى العمل المنزلي غالباً على أنه جزء من الأسرة وليس عملاً رسميًا”.
وتابعت: “وهناك ضمن الصعوبات أيضا خوف المهنيين من انتقام المشغل وفقدان العمل إذا قرروا الإضراب؛ مما يجعلهم يترددون في اتخاذ هذه الخطوة”، مشيرة إلى أنهم “يفتقرون الوعي الكامل بحقوقهم القانونية، حيث لا يعرفون غالبًا أن لهم الحق في الإضراب أو كيف يطالبون به”.
في السياق ذاته، استحضرت الفاعلة النقابية “معاناة العديد من هؤلاء العاملات والعمال ضغوطا اقتصادية تحفز هذا الخوف من فقدان مصدر الرزق الانخراط في الإضراب”، خالصة إلى أنه “حتى مع وجود هذا القانون الذي سيحمي حق الإضراب سيصعب ضمان تنفيذ هذه الحق فعليا، نظرا أيضا لضعف آليات التطبيق والرقابة في هذا المجال”.
“إكراهات الأجرأة”
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، سجّل أن “منح العمال والعاملات المنزليين الحق في الإضراب هو بلا شك من الناحية القانونية مكسب وخطوة تشريعية مهمة نحو تحسين حقوق هؤلاء العمال والعاملات الذين يشكون هضم كافة حقوقهم الأساسية وكرامتهم الإنسانية من قبل المشغلين، في أفق مضاعفة الوزارة للمكاسب الاجتماعية لهذه الفئة، لا سيما من خلال تنظيم مفتشيات الشغل بزيارات دورية للمنازل للوقوف على ظروف عملهم”.
واستدرك الخضري، في تصريح لهسبريس، أنه “بالنسبة للعمال المنزليين غير الأجراء الذين يشتغلون دون عقد ستطرح صعوبة في تمكنهم من استثمار هذا المكسب؛ نظرا لأن غالبيتهم هم من القاصرين الذين لا يملكون الإرادة الكاملة لاتخاذ قرار مثل الإضراب، حيث إنهم يخضعون لسلطة أسرهم في الغالب، خصوصاً في ظل عدم وجود هيئات نقابية تدافع عنهم”.
وسجل الفاعل الحقوقي تحديا آخر “يعيق تمتع هذه الفئة بحقها في الإضراب”، يتمثل في “تفرد بيئة العمل المنزلي؛ إذ يتم في غالب الأحيان في فضاء عائلي، ويشتغل العامل فيه بشكل فردي وبدون وجود تمثيل جماعي ينظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل (ربة البيت غالبا)”، لافتا إلى أن “غياب الظروف المناسبة لممارسة حق الإضراب بشكل جماعي حد من فعالية هذا الحق”.
وشدد الخضري على أنه “على أرض الواقع فإن عمال أو عاملات المنازل يلجؤون غالبا إلى مغادرة الأسر التي يشتغلون بها بدلاً من اللجوء إلى الإضراب أو حتى التظلم، خاصة في ظل غياب الدعم النقابي والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العديد منهم”، مضيفا :”ما يؤرقنا كحقوقيين بدرجة أولى في هذه المرحلة هو كيفية حماية العاملات القاصرات إزاء ما يتعرضن له من تعسف أو عنف أو تحرش داخل المنازل، في ظل غياب آليات رقابية فعالة”، لافتا إلى أن “توفر المساندة النقابية ورقابة مفتشية الشغل بدونهما لا يمكن أن يؤدي منح حق الإضراب أي جديد للمهنيين”.
وأوضح رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان أنه “بالمقابل فإن هذه التحديات قد لا تطرح بالنسبة العمال والعاملات المنزليين المشتغلين مع شركات المناولة مثلا؛ فحق الإضراب هنا مرتبط بالجهة المشغلة وهي الشركة الوسيطة، وبالتالي يسري عليها ما يسري على باقي الشركات والمصانع والمؤسسات، لأن الشركة هي التي تتكلف بأجورهم وباقي الحقوق المرتبطة بعملهم”.