دخل باحثون وأساتذة مختصون في الشأن البرلماني على خط الجدل الذي أثاره اتهام نائبة برلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار، خلال مشاركتها في برنامج “بدون لغة خشب” على إذاعة “ميد راديو” المغربية، لأطياف من المعارضة بمجلس النواب بالترويج “لمعطيات مغلوطة بخطاب سياسي يتم استغلاله من قبل جهات خارجية”، الذي قرأته بعض هذه الأطياف اتهاما لها “بالعمالة للخارج خدمة لأجندة معادية”، مطالبة بإحالة النائبة المعنية على لجنة الأخلاقيات بمجلس النواب.
وقال إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، في نقطة نظام خلال الجلسة العامة للأسئلة الشفهية في مجلس النواب، إن “اتهام المعارضة بالعمالة خدمة لأجندات معادية لبلدنا نعتبره خطا “أحمق” وأحمر كذلك؛ وما جاء على لسان النائبة هو مس بصورة البرلمان برمته والبرلمانيين بل والدولة المغربية ككل”، مطالبا بـ”إحالة الموضوع على لجنة الأخلاقيات لاتخاذ ما تراه مناسبا”؛ وهو الطلب الذي وعد محمد غيات، رئيس الجلسة، بإحالته على مكتب المجلس.
بدوره، سجل عبد الله بووانو، عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن “هذا الاتهام عمل مشين، ولا يستحق الرد”، مستدركا أنه “يتعين إثارة الانتباه إلى أن هذه السلوكيات تمس سمعة المؤسسة البرلمانية”.
وحاولت جريدة هسبريس الإلكترونية الاتصال بمحمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، لأخذ رأيه في الموضوع؛ إلا أنه لم يتم الرد على مكالماتها من قبل الرئيس.
وعلى الرغم من أن مهتمين بالموضوع اتفقوا في حديثهم للجريدة على أن “التصريحات التي نحن بصددها تنطوي على تخوين ليس في محله، بالنظر إلى أن المعطيات التي تستند إليها المعارضة في نهاية المطاف صادرة غالبا عن مؤسسات موثوقة، ولا يتم تكذيبها من طرف الحكومة”، فإنهم ينقسمون بشأن ضرورة إحالة الموضوع على لجنة الأخلاقيات، بين من “يدعم هذا الأمر نظرا لأن إطلاق مثل الاتهامات سالفة الذكر يجب أن يعقبه تقديم أدلة واضحة”، وبين من يذهب إلى “أهمية التريث بما أن التصريحات صادرة خارج فضاء البرلمان؛ ما يفرض أن يكون الرد عليها داخل البرنامج الإذاعي الذي أطلقت منه”.
“ضرورة التريث”
متفاعلا مع الموضوع، قال بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول في وجدة، إن “طلب إحالة نائبة على لجنة الأخلاقيات بمجلس النواب بخصوص تصريح أدلت به في أحد البرامج الإعلامية خارج قبة البرلمان يستدعي بداية التريث؛ لأن حق الإدلاء بالرأي معترف به للمواطنين والمواطنات، فما بالك لنواب الأمة”.
وأوضح المرزوقي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “يجب ان تستحضر أن هناك هيئة عليا للاتصال السمعي البصري تتابع كافة ما يذاع على وسائل الإعلام المغربية؛ ما يفرض على المعارضة أن تطلب من الهيئة تخصيص البرنامج نفسه وبالتوقيت ذاته للإدلاء برأيها المضاد بخصوص التصريحات الواردة في شأنها”.
وأضاف أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة أن “عرض تصريحات النائبة البرلمانية المعنية على جلسة الأخلاقيات يستوجب كذلك عرض العديد من النواب الذين صدرت أو تصدر منهم ملاسنات قوية في جلسات سابقة دون أن تجري إحالتهم على اللجنة”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “مقاربة التصريحات من زاوية تماشيها مع الأخلاقيات البرلمانية سيضع اللجنة في حرج؛ نظرا لأن الملف قد تصدر حوله آراء متناقضة، لما كان واردا أن يصطف ممثلو الأغلبية في صف النائبة المعنية”، بتعبيره.
بالمقابل، أوضح المرزوقي أن “التصريحات التي نحن بصددها تثير بعض المغالطات، التي تستوجب التصحيح وإيراد الأدلة”، مبرزا أن “تخوين نائب أو شمله بمثل هذه التصريحات قد يكون في حال استند إلى بعض المعطيات الواردة في تقارير صادرة عن منظمات دولية غير حكومية لدينا مشاكل معها نظرا لعدم نزاهتها، وتم تكذيب هذه المعطيات من طرف الحكومة أو نفيها”.
وأوضح الأستاذ الجامعي عينه أن “البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مؤسسات نستدين منها أموالا وقروضا، ويصعب التشكيك في أرقامها ومعطياتها. ولذلك، إذا أدلى بها نائب كيفما كان انتماؤه البرلماني والسياسي أو إعلامي أو ضمنها باحث أطروحة أو دراسة؛ فليس من السليم تخوينه، خصوصا أن هذه المعطيات لا تكذبها الحكومة بل تستند إليها في وثائقها واستراتيجيتها ومخططاتها الاستراتيجية”.
“بتّ الأخلاقيات” مدعوم
مريم أبليل، الباحثة في الشأن البرلماني، ذكرت أن “اتهامات من وزن تلك التي صدرت عن النائبة البرلمانية يجب أن تكون مستندة إلى أدلة واضحة؛ فهي تصل حد التخوين الذي يعد خارج نطاق الإطار العادي للتدافع السياسي بين الأغلبية والمعارضة”، معتبرة أن “هذا الموضوع يستدعي بالفعل بتّ لجنة الأخلاقيات بمجلس النواب، إعمالا لمبدأ البينة على من ادعى؛ فرغم أن الاتهامات سيقت خارج البرلمان، فإن الصفة النيابية للمعنية تبقى تلاحقها خارج قبة المؤسسة التشريعية”.
وأوضحت أبليل، في تصريح لهسبريس، أن “جميع المعطيات المقدمة خلال الجلسات العامة أو جلسات المساءلة أو داخل لجان مجلس النواب، وكيفما كان انتماء النائب أو الفريق الصادرة عنه، معارضة أو أغلبية، وارد أن يستغلها أعداء المغرب”، مبرزة أن “الخوف من تربص هذه الجهات ليس مبررا بالإطلاق، للجم الممارسة السياسية والبرلمانية التي من أبرز ركائزها المعارضة، المنصوص عليها الدستور والمحمية حقوق الفرق والمجموعات المنتمية إليها في القوانين التنظيمية ذات الصلة”.
واستحضرت الباحثة في الشأن البرلماني أن “الدستور جعل التصويت حقا شخصيا؛ ما يحيل على كون الممارسة البرلمانية بدورها هي حق شخصي للنواب؛ غير أن ممارسة هؤلاء تنبثق من تمثيلهم للأمة لأنهم ينتخبون من طرفها. وعلى هذا الأساس، فإن محاسبتهم تتم بناء على ما إذا كانوا يمثلون الأمة بأكملها وكافة أطيافها وتوجهاتها أم لا”.
وشددت المصرحة عينها على أن “دور المعارضة أساسا هو الوقوف على جميع الإشكالات التي تتخلل السياسات والمشاريع التي تنفذها الحكومة وتعوق نجاعتها وفعاليتها”، موضحة أنه “لا يمكن أن نتذرع بالجهات الأجنبية التي من الممكن أن تستغل هذا الأمر، حتى نشل نواب المعارضة عن ذكر العثرات الذي يعد مهما لإصلاح هذه الأخيرة وتجاوزها”.
وعدت مريم أبليل أن “إشكال جزء مهم من الأغلبية هو التماهي الكبير مع الأغلبية؛ في الوقت الذي يتعين على كل منتم إلى هذه الأخيرة أن يدرك أنه في الوقت نفسه نائب برلماني يستوجب عليه أن يقوم بالرقابة والتقييم والإشارة إلى الصالح والطالح والتشريع حتى لا يتم اتهام البرلمان بأنه تحول إلى غرفة تسجيل؛ تسجيل القوانين التي تأتي من الحكومة”.