قال سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إن “عدد حالات الهدر المدرسي تراجع خلال السنوات الأخيرة من 300 ألف إلى 270 ألف تلميذ وتلميذة، وهو رقم مازال مهولا”، مشددا على أن “الوضع يستدعي مواصلة الجهود لإيجاد حلول جذرية لمشكلة الهدر المدرسي”.
وجاء تصريح الوزير حول الهدر المدرسي، في حوار خاص مع هسبريس، ليجدّد النقاش حول الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي تدفع التلاميذ والطلبة إلى مغادرة أسوار المؤسسات التعليمية، كما يسلط الضوء على الجهود المبذولة والتدابير الممكنة للحد من هذه الظاهرة وتقليصها، أو القضاء عليها بشكل نهائي حيثما أمكن ذلك.
أسباب ومخاطر
جبير مجاهد، أستاذ وباحث في الشأن التربوي، قال إن “أسباب الهدر المدرسي متعددة”، موضحًا أن من أبرزها “العوامل الاقتصادية المرتبطة بالفقر، وعدم قدرة الأسر الفقيرة على تحمل تكاليف التعليم، فضلًا عن حاجة بعض الأسر إلى تشغيل أبنائها للمساهمة في الدخل”، ومضيفًا أن “هذه الظاهرة تتفاقم بشكل خاص في المناطق القروية التي تعرف هشاشة اجتماعية واقتصادية واضحة”.
وأضاف مجاهد، في تصريح لهسبريس، أن “الأسباب الاجتماعية تظل بدورها من بين العوامل الأساسية وراء الهدر المدرسي”، مشيرًا إلى “التفكك الأسري وضعف وعي بعض أولياء الأمور بأهمية التعليم، إلى جانب غياب المتابعة النفسية والتربوية للتلاميذ، خاصة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية أو نفسية”، مبرزًا كذلك “عدم ملاءمة المناهج الدراسية وافتقارها إلى عنصر الجذب والتشويق، ما يجعل التلميذ في كثير من الأحيان غير متحمس للمدرسة”.
وأكد الباحث في الشأن التربوي أن “الهدر المدرسي له نتائج سلبية خطيرة على الفرد والمجتمع”، موردا أن “من بين هذه النتائج الانحراف، إذ يتجه بعض التلاميذ المنقطعين نحو الإدمان أو العنف أو الجريمة، كما يفقدون الثقة في النفس ويشعرون بالإقصاء”، ومشددًا على أن “الهدر المدرسي يضعف التنمية البشرية بالنظر إلى أن المستوى الثقافي والتعليمي يعد ركيزة أساسية لمؤشر التنمية، ما ينعكس سلبًا على المجتمع ويشكل عائقًا أمام تحقيق العدالة الاجتماعية”.
بين الوقاية والعلاج
هشام أودادس، مستشار في التوجيه التربوي، قال إن “الهدر المدرسي ظاهرة مقلقة جدا في الوسط المدرسي، ولاسيما على مستوى التعليم الثانوي التأهيلي، وأسبابه عديدة ومتشعبة تتداخل في ما بينها، ما يزيدها تعقيدا، ومن بينها ضعف مكتسبات التلميذ، خصوصا في المواد الأساسية، والتنمر الذي يتعرض له المتعلمون داخل الفضاء المدرسي، وعدم تلبية المؤسسات التعليمية الحاجيات النفسية والعاطفية والاجتماعية والجسدية للمتعلمين والمتعلمات، خصوصا في سن المراهقة”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “من بين الأسباب أيضا الاستغلال الاقتصادي عبر تشغيل القاصرين، والتزويج المبكر للقاصرات، وسوء المعاملة والتعامل البيروقراطي مع الأحداث بدل نهج مقاربات تربوية، وبُعد المؤسسات التعليمية عن سكن المتمدرسين والمتمدرسات، وإشكاليات النقل المدرسي (الاكتظاظ، بقاء التلاميذ والتلميذات قرب أسوار المؤسسات خلال الفترة الزوالية على الخصوص…)، قلة العرض الخاص بالداخليات والإطعام المدرسي”.
وأكد أودادس أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال القضاء على ظاهرة الهدر المدرسي كليا لكن يمكن التخفيف منها”، مقدّما مقترحات للحد من هذه الظاهرة المقلقة، منها “التعبئة المجتمعية وإشراك الجميع، والتنزيل الفعلي لإلزامية التعليم قبل 16 سنة على أرض الواقع، وتعزيز وتقوية مكتسبات المتعلمين والمتعلمات في المواد الأساسية المرتبطة بالقراءة والكتابة والحساب، والعمل على تحبيب الفضاء المدرسي وجعله فضاء مفعما بالحياة”.
ومن ضمن المقترحات أيضا، ذكر المستشار التربوي “تعميم خدمات المواكبة النفسية الاجتماعية، والحد من ظاهرة الاكتظاظ بالأقسام الدراسية، وتوفير العنصر البشري التربوي والإداري الكافي، وتعزيز البنية المادية للمؤسسات التعليمية لتتناسب مع عدد التلاميذ وحاجيتها التربوية الصفية واللاصفية، ونهج مقاربات بيداغوجية أكثر ديمقراطية تشرك المتعلمين والمتعلمات في تدبير الشأن التربوي، وجعل المؤسسة التعليمية أكثر انفتاحا على سوق الشغل ومراكز التكوين المهني، والعمل على تعزيز خدمات النقل المدرسي والداخليات والإطعام المدرسي”.
0 تعليق