لم تعد السينما اليوم مجرد شاشة ضخمة في قاعة مظلمة تجمع الجمهور حول قصة واحدة، بل أصبحت تجربة متشعبة تتقاطع مع التكنولوجيا، المنصات الرقمية، وأشكال التعبير الجديدة. وإذا كان جيل Y (المعروف بالميلينيالز) قد عاش مرحلة التحول من السينما الكلاسيكية إلى الرقمية، فإن جيل Z هو الذي أعاد تعريف معنى “الفيلم” و”المشاهدة” في عصر السرعة والمنصات.
جيل Y: بين الحنين إلى القاعة وبدايات الرقمنة
جيل Y، المولود بين 1981 و1996، نشأ في زمن كان فيه الذهاب إلى قاعات السينما طقساً ثقافياً واجتماعياً أساسياً. بالنسبة لهم، الفيلم يُشاهد جماعياً، ويُناقش بعد العرض في المقاهي أو بين الأصدقاء.
لكن هذا الجيل عاش أيضا التحولات الأولى: انتشار أقراص الـDVD، القنوات الفضائية المتخصصة، ثم ظهور المنصات الرقمية في بداياتها مثل Netflix. كل هذه التغييرات جعلت علاقتهم بالسينما أكثر مرونة، لكنها لم تمحُ ارتباطهم العاطفي بالقاعة كفضاء للعرض الجماعي.
اليوم، يمثل جيل Y العمود الفقري للعديد من المخرجين والمنتجين والممثلين الذين يقودون الصناعة السينمائية، مستفيدين من هذا التوازن بين “سينما المؤلف” التقليدية وبين الصناعة التجارية العالمية.
جيل Z: السينما على شاشة الجيب
أما جيل Z (مواليد 1997 – 2012)، فهو أول جيل يولد في حضن الثورة الرقمية. بالنسبة له، الهاتف الذكي هو الصالة السينمائية الأولى، وYouTube وTikTok وNetflix هي المنصات الطبيعية لاكتشاف الأفلام والمحتويات.
السينما عند هذا الجيل لا تعني فقط الفيلم الطويل، بل تمتد إلى المسلسلات القصيرة، مقاطع الفيديو التفاعلية، وأحياناً ألعاب الفيديو التي تكمل تجربة المشاهدة. هم جيل التجربة المتعددة الشاشات، يتنقلون بين المنصة والهاتف والحاسوب بسهولة، ولا يعترفون بالحدود التقليدية بين الفيلم والمحتوى الرقمي.
إلى جانب ذلك، يتميز جيل Z بوعي نقدي مختلف: يطالب بالتنوع والتمثيل في السينما، ويضغط على الصناعة العالمية من أجل الانفتاح على قضايا الجندر، العرق، البيئة، والعدالة الاجتماعية. الأهم من ذلك أنهم لم يعودوا مجرد متفرجين، بل صاروا منتجين لمحتوى بصيغ بديلة، يصنعون أفلاما قصيرة أو فيديوهات بوسائل بسيطة وينشرونها عبر شبكات التواصل.
السينما المغربية بين الجيلين
في المغرب، تتجسد هذه الثنائية بوضوح. فجيل Y هو الذي يشكل حالياً النواة الأساسية من المخرجين والمنتجين الذين ينشطون في المهرجانات الوطنية والدولية، ويبحثون عن التوازن بين القاعات التقليدية والمنصات الرقمية.
أما جيل Z فهو الجمهور الجديد الذي لم يتربّ بالضرورة على ثقافة القاعة، بل على ثقافة الشاشة الصغيرة والمحتوى السريع. وهو ما يفرض على الصناعة المغربية تحديات جديدة:
تطوير سينما قصيرة وسريعة الإيقاع قادرة على جذب هذا الجيل.
الانفتاح على تجارب جديدة مثل الواقع الافتراضي والسينما التفاعلية.
التفكير في استراتيجيات توزيع تتجاوز القاعة نحو المنصات المحلية والدولية.
ولعل الأهم، أنّ جيل Y وجيل Z هما معاً من مثلوا السينما المغربية في أكبر التظاهرات السينمائية العالمية، من مهرجان كان وبرلين إلى فينيسيا وتورونتو. هذان الجيلان كانا الأكثر حظوظاً لصناعة السينما في المغرب، بفضل سهولة الولوج إلى الأفلام والمعرفة السينمائية عبر المنصات الرقمية، والانفتاح على التجارب الدولية بشكل غير مسبوق.
اليوم، يمكن القول إن الجيل Z هو أكثر جيل يريد الانخراط في الصناعة السينمائية وصناعة الأفلام، ليس فقط كمشاهد أو متتبع، بل كفاعل ومبدع يسعى لخلق محتوى جديد، بأدوات جديدة، وبطموح أن يكون جزءاً من المشهد السينمائي الوطني والدولي. هذا الاندفاع يعكس تعطشاً غير مسبوق لإعادة تشكيل هوية السينما وتوسيع فضاءاتها.
بين جيل Y الذي ما يزال يحمل الحنين إلى سحر القاعة، وجيل Z الذي يرى السينما تجربة متعددة الشاشات، يتحدد مستقبل الفن السابع. السينما لم تفقد دورها، لكنها تغيّرت في العمق: لم تعد مجرد أداة ترفيه، بل أصبحت فضاءً للتعبير، التفاعل، وصناعة هوية جيل كامل
0 تعليق