ضبابية في المشهد.. هل برنامج ... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تدخل العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الحسابات الاقتصادية مع متغيرات السياسة والتمويل، في ظل أنباء عن احتمال تأجيل المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج التعاون بين الجانبين، وهو سيناريو لا ترغب فيه القاهرة لما يحمله من تداعيات حساسة على مسار الثقة الدولية في الاقتصاد المصري، وعلى قدرة الحكومة في استكمال خطتها الطموحة للإصلاح الهيكلي.

برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي، لا يتعلق فقط بالتزامات مالية أو أرقام على الورق، بل بميزان ثقة متبادل يعكس مدى التزام مصر بتعهداتها أمام المؤسسات الدولية، ومدى استيعاب الصندوق للتحديات التي واجهت الاقتصاد المصري خلال العامين الماضيين، من اضطرابات إقليمية وضغوط عالمية في التمويل والاستثمار.

“الطروحات الحكومية” نقطة التوتر مع صندوق النقد 

تؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية، إلى جانب ما ورد في المراجعة الثالثة لوثيقة سياسة ملكية الدولة، أن القاهرة ما زالت ماضية في تنفيذ معظم مستهدفات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، باستثناء محور الطروحات الحكومية الذي يمثل نقطة التوتر الأبرز في المشهد الراهن.

961.jpg
ضبابية في المشهد.. هل برنامج “الطروحات الحكومية” سيكون نقطة توتر مع صندوق النقد؟

فمنذ عام 2022، شرعت الدولة في تنفيذ برنامج طموح لإعادة هيكلة ملكيتها في الشركات العامة، من خلال تخارجات كلية وجزئية من 23 شركة بحصيلة مستهدفة بلغت 12.2 مليار دولار، وهو إنجاز لا يمكن تجاهله في سياق الجهود الرامية لتمكين القطاع الخاص. 

كما أبرمت الحكومة اتفاقية استراتيجية مع مؤسسة التمويل الدولية لإطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص لإدارة وتشغيل 11 مطارًا مصريًا، في خطوة تمثل نقلة نوعية نحو إدارة اقتصادية أكثر كفاءة للأصول الوطنية.

إلا أن العام الحالي شهد بطئًا في تنفيذ برنامج الطروحات، وهو ما أثار تساؤلات من جانب بعثة الصندوق حول قدرة مصر على الالتزام بالجدول الزمني المحدد، ومع ذلك، تظهر المؤشرات أن الحكومة تتحرك بسرعة لإغلاق هذا الملف قبل الاجتماعات المقبلة مع مسؤولي الصندوق، في محاولة لإظهار جدية ملموسة واستعادة زخم الإصلاح.

توجيه حكومي بالإسراع في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية 

في خطوة تعكس إدراك الحكومة لحساسية المرحلة، عقد رئيس مجلس الوزراء اجتماعًا موسعًا الأسبوع الماضي لمراجعة مستجدات برنامج الطروحات، ووجه بتسريع وتيرة التنفيذ خلال الفترة القريبة المقبلة.

962.jpg
ضبابية في المشهد.. هل برنامج “الطروحات الحكومية” سيكون نقطة توتر مع صندوق النقد؟

الاجتماع ناقش بوضوح خطط طرح شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية في البورصة المصرية، وهي الخطوة التي طال انتظارها وتعد ـ بحسب محللين ـ اختبارا حقيقيا لإرادة الدولة في المضي قدمًا نحو توسيع قاعدة الملكية وتحرير المجال أمام القطاع الخاص.

وتوقعت تحليلات اقتصادية أن تشهد الأيام القليلة المقبلة إعلانا عن طرح أولى هذه الشركات بالفعل، كرسالة سياسية واقتصادية في آن واحد، تؤكد استعداد مصر لتجاوز أي ملاحظات من الصندوق وتفادي أي تصادم محتمل في الاجتماعات المقبلة.

73 مليار جنيه للشراكة مع القطاع الخاص

لكن برنامج الطروحات ليس الورقة الوحيدة التي تراهن عليها القاهرة في تعزيز موقفها أمام الصندوق، فثمة إنجازات أوسع نطاقا تدعم مسار الإصلاح الهيكلي، أبرزها المشروعات المطروحة للشراكة مع القطاع الخاص بإجمالي استثمارات تجاوزت 73 مليار جنيه، إلى جانب تنفيذ ما يقرب من 500 إجراء إصلاحي خلال الفترة من 2022 إلى 2024، تستهدف إزالة العوائق البيروقراطية وتحفيز مناخ الأعمال.

963.jpg
ضبابية في المشهد.. هل برنامج “الطروحات الحكومية” سيكون نقطة توتر مع صندوق النقد؟

هذه الإجراءات انعكست بوضوح على تركيبة الاستثمار الوطني، إذ تظهر بيانات موازنة 2024/2025 أن استثمارات القطاع الخاص استحوذت على 47.5% من إجمالي الاستثمارات مقابل 43.3% فقط للقطاع العام، وهو تحول نوعي غير مسبوق منذ خمس سنوات، يعكس اتجاها حقيقيا نحو تقليص الدور المركزي للدولة وتعزيز الاقتصاد القائم على السوق.

هل يوافق صندوق النقد على المراجعة الخامسة والسادسة؟

رغم التقدم الملحوظ، تظل معادلة العلاقة مع صندوق النقد الدولي شديدة الحساسية، فالصندوق لا ينظر فقط إلى الأرقام، بل إلى "وتيرة التنفيذ" و"مصداقية الالتزام"، وهو ما يجعل أي تباطؤ في تنفيذ بند واحد كفيلا بإبطاء المراجعات أو تأجيلها.

ومع ذلك، يدرك الصندوق أيضا أن مصر واجهت في السنوات الأخيرة ظروفا استثنائية، بدءا من تداعيات الحرب في غزة، مرورا بتباطؤ حركة التجارة العالمية، وصولا إلى أزمة السيولة التي اجتاحت الأسواق الناشئة.

964.jpeg
ضبابية في المشهد.. هل برنامج “الطروحات الحكومية” سيكون نقطة توتر مع صندوق النقد؟

هل تتفادى مصر الصدام مع صندوق النقد الدولي؟

ويبقى السؤال الأهم: هل تمتلك مصر ما يكفي من أدوات ومؤشرات لتجاوز لحظة التقييم المقبلة دون صدام مع الصندوق؟
الواقع أن القاهرة تمتلك بالفعل رصيدًا معتبرًا من الإجراءات الهيكلية، وملفات جاهزة للإفصاح عنها خلال المراجعات القادمة، فضلًا عن إشارات متزايدة على مرونة اقتصادية بدأت تعود تدريجيًا بعد سنوات من الضغوط.

ومع ذلك، فإن نجاح المفاوضات المقبلة لا يتوقف على حجم الإنجازات وحده، بل على قدرة الحكومة على إقناع الصندوق بأن الإصلاح الاقتصادي في مصر لم يعد مجرد "التزام فني"، بل "خيار استراتيجي" تمضي فيه الدولة رغم الصعوبات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق