تتركّز عيون كبار منتجي العالم ومصدّريه على واردات تركيا من الغاز بعد تحوّل إستراتيجي نحو أميركا يهدّد المكانة الراسخة لجارتيها روسيا وإيران.
إذ بدا جليًا أن أنقرة قد استجابت لضغط أميركي للتحول عن واردات الطاقة من طهران وموسكو الخاضعتين للعقوبات، لصالح مكاسب على صعيد الدفاع.
وعلى مدار أقل من شهر، دخلت تركيا -الساعية لتصبح مركز طاقة إقليميًا- في صفقات ضخمة لشراء الغاز المسال الأميركي، كان آخرها مع "ميركوريا" لتصدير إجمالي 70 مليار متر مكعب من 2027 حتى نهاية عام 2046، بحسب آخر تحديثات منصة الطاقة المتخصصة لقطاع الغاز التركي.
وبحسب خبراء، يمكن لواردات الغاز المسال الأميركي والإنتاج المحلي أن يلبّيا نصف احتياجات تركيا بحلول عام 2028، بما يترك مساحة أقل لـ3 خيارات أخرى، على رأسها روسيا.
لكن هل تتخلى واردات تركيا من الغاز عن أكبر مصادرها روسيا وخيارات أخرى متنوعة؟ هو سؤال تجيب عنه السطور التالية:
خيارات واردات تركيا من الغاز
تقف واردات تركيا من الغاز على أعتاب تحوّل يبشّر بتغيير المشهد وتقليص حصة روسيا وإيران وتنويع المصادر لتشمل الجزائر وزيادة واردات الغاز المسال الأميركي.
وفيما يلي أبرز الخيارات المتاحة أمام واردات تركيا من الغاز حاليًا:
الولايات المتحدة: أكد وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار –مرارًا- أن الغاز المسال الأميركي خيار رخيص وموثوق، كما أن المشتريات من الولايات المتحدة تُسهم في تنويع مصادر الواردات بما يعزز أمن الطاقة في تركيا التي تطمح لتصبح مركزًا إقليميًا للغاز.
ويسعى البلَدان للوصول بحجم التجارة البينية إلى 100 مليار دولار بدعم من قطاع الطاقة.
ووسط مساعي التقارب مع واشنطن، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إن نظيره التركي رجب طيب أردوغان وافق على وقف شراء النفط الروسي، ضمن حملة للضغط على موسكو لتجفيف منابع تمويل الحرب على أوكرانيا.
وفي مقابل الموافقة التركية، ستُرفع العقوبات الأميركية للسماح لأنقرة بشراء مقاتلات إف-35، بحسب تصريحات أعقبت اجتماعًا بين الرئيسين يوم 25 سبتمبر/أيلول الماضي (2025).

روسيا: تصل واردات تركيا من الغاز الروسي عبر الأنابيب بموجب اتفاقيات طويلة الأمد عبر خطَّي الأنابيب "بلو ستريم" (Blue Stream) و"ترك ستريم" (TurkStream).
وما زالت روسيا هي أكبر مصدّري الغاز إلى تركيا، وتستورد منها عبر الأنابيب 22 مليار متر مكعب سنويًا، لكن حصة روسيا في الواردات التركية قد انخفضت بأكثر من 60% مقارنةً بمستويات قبل عشرين عامًا.
وخلال النصف الأول من هذا العام (2025)، شكّلت صادرات الغاز الروسي 37% من إجمالي مشتريات تركيا.
إيران: تستورد تركيا 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنويًا عبر الأنابيب.
أذربيجان: ترتبط تركيا مع أذربيجان بعقود لاستيراد 9.5 مليار متر مكعب سنويًا.
إلى جانب الخيارات الـ4، تعمل شركة تباو المملوكة للدولة (TPAO) على زيادة إنتاج الحقول المحلية، وحاليًا يغذّي حقل صقاريا (أكبر حقل غاز في تركيا) بالبحر الأسود 4 ملايين منزل، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم إلى 16 مليونًا بحلول عام 2028.
واردات تركيا من الغاز بين روسيا وأميركا
يمكن لواردات تركيا من الغاز المسال الأميركي مع زيادة الإنتاج المحلي أن تتجاوز 26 مليار متر مكعب سنويًا، بدءًا من عام 2028، وذلك من 15 مليار متر مكعب سنويًا حاليًا.
وبذلك، يمكن لهذين الخيارين تلبية نحو نصف الطلب التركي البالغ 53 مليار متر مكعب، ولتلبية النصف الآخر من الطلب البالغ 26 مليار متر مكعب، يمكن لتركيا الاستعانة بواردات الغاز عبر الأنابيب.
لكن ذلك الرقم المتبقي يقلّ كثيرًا عن حجم الغاز الروسي والإيراني والأذربيجاني المنقولين عبر الأنابيب، والبالغ مجموعهما 41 مليار متر مكعب سنويًا.
يُشار هنا إلى أن عقود استيراد تركيا للغاز الروسي توشك على نهايتها، ومع إيران ستنتهي في منتصف العام المقبل (2026)، ومع أذربيجان تستمر حتى عامي 2030 و2033.
وحاليًا، يستمر تدفُّق الغاز الروسي على تركيا بكامل طاقته، كما أكد وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار أن بلاده ستواصل شراء الغاز من الدول الـ3 علاوة على تركمانستان.
وداخل حدود قطاع التركي، تطوّر شركة روساتوم الروسية (Rosatom) أول محطة طاقة نووية في تركيا، كما أنها أحد كبار مصدّري النفط والديزل.
وفي ضوء التوسع بمشتريات الغاز المسال الأميركي، قد تقلّ حاجة تركيا عن استيراد الغاز الروسي عبر الأنابيب، لتتوقّف الواردات في غضون عامين إلى 3 أعوام.
لكن ذلك لن يحدث –بحسب الخبير في معهد الطاقة والمالية، ومقرّه موسكو، أليكسي بيلوغوريف-، لأن سعر الغاز الروسي تنافسي، كما يخلق فائضًا يمنح شركة بوتاش التركية (BOTAS) ورقة ضغط تستعملها ضد كل المورّدين.
ومن خلال ذلك الفائض، صدّرت تركيا الغاز بكميات صغيرة إلى المجر ورومانيا، في بداية طريقها لتصبح مركزًا إقليميًا لتجارة الغاز.
ويتوقع الخبير في منظمة البحر المتوسط للطاقة والمناخ سوهبيت كاربوز أن تُمدِّد تركيا عقود استيراد الغاز عبر الأنابيب مع جيرانها، لكنها قد تطلب بنودًا أكثر مرونة وكميات أصغر لتنويع مصادر التوريد.
كما يمكن لأنقرة استعمال الغاز الروسي والإيراني محليًا، مع إعادة تصدير إنتاجها والغاز المسال الذي تستورده، إلى أوروبا.
ويرى الخبير الإستراتيجي الدكتور أومود شوكري أنه سيكون من الصعب على تركيا التخلّي عن واردات النفط والغاز من روسيا بسبب ما تملكه من ميزات الأسعار وتناسب الخامات مع المصافي التركية، كما أن الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب "محوري" لتوليد الكهرباء والتدفئة في تركيا.
وإذا كان التخلي عن روسيا مطروحًا، فإنه سيكون صعب التنفيذ على المدى القصير، دون المخاطرة بارتفاع الأسعار وشح الإمدادات، علاوة على أعباء تشغيلية ومالية جسيمة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر:
0 تعليق