القطن ليس فقط مادة خام تُستخدم في صناعة الملابس، بل هو نمط حياة وثقافة ضاربة بجذورها في عمق الحضارة الإنسانية.
يُعد القطن من أكثر الأقمشة استخدامًا حول العالم، ويُشكّل مصدر رزق مباشر للملايين من المزارعين والعمال وأسرهم، خاصةً في الدول النامية والأقل نموًا.
ومع أن القطن يساهم في اقتصادات دول كبرى، إلا أن قيمته الكبرى تتجلى في كونه شبكة أمان اقتصادية للفئات الفقيرة والمجتمعات الريفية، حيث يمثل موردًا حيويًا يساعد على تخفيف الفقر وتوفير فرص عمل لائقة ومستدامة، وخاصة للنساء والشباب.
اليوم العالمي للقطن: احتفاء عالمي بمحصول استثنائي
يرجع مفهوم "اليوم العالمي للقطن" إلى مبادرة أطلقتها دول "القطن الأربعة": بنين، بوركينا فاسو، تشاد، ومالي، بهدف تسليط الضوء على أهمية القطن في التجارة والتنمية، خاصة للدول الأقل نموًا.
وقد أُقيم أول احتفال بهذا اليوم في 7 أكتوبر 2021، وأصبح منذ ذلك الحين مناسبة دولية بارزة لعرض مساهمات القطن في الاقتصاد، الاستدامة، والابتكار، إضافة إلى كونه منصة لتبادل المعرفة والخبرات بين الدول والمؤسسات العاملة في القطاع.

القطن كمحرك اقتصادي واجتماعي
يمثل القطن محصولًا استراتيجيًا مزدوج الفائدة، فهو يوفّر الألياف للمنسوجات، والغذاء من خلال زيت بذوره، والوقود باستخدام مخلفاته. كما أن له دورًا كبيرًا في دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الزراعية.
ويؤكد الدكتور مصطفى عمارة، وكيل معهد بحوث القطن بوزارة الزراعة، أن القطن لا يجب أن يُنظر إليه كمادة خام فقط، بل كركيزة اقتصادية حيوية تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وعلى رأسها القضاء على الفقر، تعزيز المساواة، وتأمين العمل اللائق.
أهداف اليوم العالمي للقطن
يهدف الاحتفال باليوم العالمي للقطن إلى:
رفع الوعي العالمي بأهمية القطن ومنتجاته في الحياة اليومية.
تسليط الضوء على دور القطن في مكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية.
تمكين البلدان النامية من الاندماج في سلاسل التوريد الدولية.
إبراز مساهمة القطن في النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.
تمكين المرأة والشباب من خلال فرص العمل التي يوفرها القطاع.
تعزيز التعاون بين أصحاب المصلحة وتحفيز السياسات الداعمة للتجارة المستدامة.
التركيز على إضافة القيمة داخل دول الإنتاج، وليس تصدير المواد الخام فقط.
تشجيع الاستثمارات والابتكار في تصنيع المنتجات الثانوية للقطن.
لماذا القطن مهم للعالم؟
أكثر الألياف استخدامًا عالميًا: يُستخدم في 80% من الملابس، 15% من المفروشات، و5% في الصناعات غير النسيجية.
سلعة زراعية متكاملة: توفر الألياف، والغذاء، والزيت، والعلف، وحتى الوقود.
صديق للبيئة: يتحلل سريعًا ولا يترك أثراً كيميائيًا ضارًا.
مصدر رزق رئيسي: يُقدّر عدد العاملين في سلسلة القطن عالميًا بـ100 مليون شخص في أكثر من 80 دولة.
زراعة مرنة: يمكن زراعته في البيئات القاحلة والجافة، مما يجعله خيارًا مناسبًا في ظل التغيرات المناخية.
قطاع داعم لتمكين المرأة: نصف منتجي القطن في العالم تقريبًا من النساء.

التحديات التي تواجه قطاع القطن
على الرغم من أهميته، يواجه قطاع القطن مجموعة من التحديات التي قد تُقوّض دوره في تحقيق التنمية، ومنها:
تقلبات أسعار السوق العالمية، وتأثيرها على دخل المنتجين.
التهديدات البيئية مثل تغير المناخ والآفات والأمراض.
نقص الاستثمارات في تطوير الصناعات التحويلية المرتبطة بالقطن.
التمييز في نظم التجارة الدولية، مما يحد من استفادة الدول الفقيرة من إنتاجها.
الحروب والأزمات الاقتصادية العالمية التي تؤثر على العرض والطلب.
الافتقار إلى البنية التحتية والمعدات الحديثة في بعض الدول النامية.
ضعف السياسات الوطنية لحماية المنتجين وضمان استقرار السوق.
ويؤكد الدكتور عمارة على أن دعم هذا القطاع يتطلب رؤية شاملة تشمل:
تقديم دعم مباشر للمزارعين.
تنفيذ برامج تأمين زراعي لحماية المحصول.
تطوير آليات تسعير عادلة لضمان حقوق المنتجين.
الحد من التحايل التجاري في الأسواق العالمية.
الاستثمار في التكنولوجيا والبحث العلمي لضمان استدامة الإنتاج.
مستقبل القطن في ظل التنمية المستدامة
القطن ليس مجرد ألياف تُنسج، بل هو أملٌ يُزرع. ويمكن لهذا القطاع، إذا تم دعمه بالشكل الكافي، أن يكون قاطرة تنموية تنقل ملايين الأفراد من الفقر إلى الإنتاج، ومن العشوائية إلى التمكين.
ويوفر اليوم العالمي للقطن فرصة لتجديد الالتزام العالمي بهذا القطاع، وتذكير العالم بأهمية الاستثمار فيه ليس فقط لتحقيق الربح، بل لتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، والتقدم الاقتصادي الحقيقي الذي لا يترك أحدًا خلف الركب.
0 تعليق