ضمن توجهات الاستدامة وتعزيز قوة المركز المالي لسلطنة عمان، كان خفض حجم الدين وإعادة هيكلة المحفظة الإقراضية واستباقية سداد القروض من أهم ملامح السياسات المالية في سلطنة عمان، والتي أسفرت عن أثر مباشر في تحقيق وفورات مالية ملموسة وخفض عبء مخصصات خدمة الدين العام في الميزانية العامة، حيث استفادت سلطنة عمان من فوائض النفط المحققة خلال الأعوام الماضية وارتفاع التصنيف الائتماني إلى درجة الجدارة الاستثمارية والتحسن الكبير في قوة المركز المالي للدولة في خفض كلفة الاقتراض واستبدال القروض ذات الكلفة المرتفعة بأخرى ذات كلفة أقل.
ورصدت الإحصائيات التراجع المتواصل في كلفة خدمة الدين العام, والتي بلغت مليار و76 مليون ريال عماني خلال عام 2022، وسجلت مخصصاتها في الميزانية مليار و44 مليون ريال عماني خلال عام 2023، وشهدت تراجعا لتصل إلى 936 مليون ريال عماني في عام 2024 وتواصل الانخفاض خلال العام الجاري 2025، حيث تشير الإحصائيات إلى أنه منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أغسطس الماضي انخفضت كلفة خدمة الدين العام بنسبة 8 بالمائة لتصل إلى 560 مليون ريال عماني مقارنة مع 607 ملايين ريال عماني خلال نفس الفترة من عام 2024.
ووسط تقدم في تحسين المؤشرات المالية والإدارة الناجحة للالتزامات المالية من خلال إعادة هيكلة محفظة الاقتراض وتنويع مصادر التمويل، تأتي عودة سلطنة عمان خلال شهر أكتوبر الجاري إلى أسواق رأس المال العالمية للمرة الأولى منذ عام 2021، من خلال إصدار صكوك دولية سيادية بقيمة 385 مليون ريال عُماني، وبسعر فائدة أساسي 4.525 بالمائة سنوياً، ويعد العائد الأدنى مقارنة مع أي كافة الإصدارات السيادية السابقة، والذي يؤكد على الثقة المتنامية في جدية جهود الاستدامة وآفاق الاستثمار في سلطنة عمان.
يسهم الإصدار في الاستفادة من تراجع أسعار الفائدة عالميا وتحسن الجدارة الائتمانية لسلطنة عُمان والذي يمكن من استغلال الفرص المتاحة في أسواق التمويل، وتستهدف سلطنة عمان من خلال هذا الإصدار تمويل الالتزامات المالية الحالية، وخفض كلفة خدمة الدين العام، دون الزيادة في حجم الدين العام الذي سجل تراجعا إلى 14.1 مليار ريال عماني بنهاية النصف الأول من عام 2025، حيث توجهت حصيلة الإصدار لإعادة شراء جزء من السندات الدولية المقومة باليورو والمستحقة في يونيو 2026 بقيمة 117 مليون ريال عُماني وسداد جزء من الصكوك الدولية المستحقة في أكتوبر 2025 والبالغ قيمتها 578 مليون ريال عُماني مما يعزز التقدم في جهود خفض خدمة الدين العام.
كما تتمثل أهمية الإصدار الجديد في توسعة المصادر المستدامة لتمويل الشركات الحكومية والخاصة عبر الاستفادة من سوق رأس المال المحلي والعالمي، وقد تم خلال الشهر الجاري إصدار شركة تنمية طاقة عُمان صكوكا محلية في بورصة مسقط بالريال العُماني بقيمة 50 مليون ريال عماني، وبسعر فائدة بلغ 4.40 بالمائة وهو قرب مستويات العائد على سندات التنمية الحكومية لمدة ثلاث سنوات.
ويعد هذا الإصدار الأول من نوعه من قبل شركة حكومية، مما يفتح مجالا لمزيد من الإصدارات التي تعزز تمويل المشروعات التنموية بكلفة مواتية ونمو الاستثمارات.
ووفقا لخطة الاقتراض السنوية للعام 2025، وبناء على موقف الدين العام والاحتياجات التمويلية، كان بيان الميزانية العامة لعام 2025 قد أكد على أن حكومة سلطنة عمان تواصل اتباع استراتيجية تنويع مصادر التمويل، وتتضمن الخطة عددا من الإصدارات المحلية من سندات التنمية والصكوك المحلية بقيمة إجمالية 750 مليون ريال عماني.
وقد تم تنفيذ الجانب الأكبر من هذه الخطة من خلال الإصدارات في بورصة مسقط على مدار العام 2025. وتسهم هذه الإصدارات في تعزيز سوق رأس المالي العماني وخفض الحاجة للاقتراض الخارجي، وحسب بيان الميزانية من المتوقع أن يبلغ صافي الاقتراض المحلي والخارجي المتوقع خلال عام 2025 نحو 220 مليون ريال عماني، ولن تلجأ سلطنة عمان للسحب من الاحتياطيات أو الاقتراض في حال ارتفاع الإيرادات الفعلية عن المقدر مبدئيا في الميزانية، لكن في ظل خطة إدارة الالتزامات المالية يمكن أن تلجأ للاقتراض لسداد قروض حالية ذات كلفة عالية واستبدالها بأخرى ذات كلفة أقل.















0 تعليق