عبّر مسؤولون اقتصاديون في المملكة المتحدة عن قلق متزايد من تنامي خطر ما يُعرف بـ"البنوك المظللة"، وسط تحذيرات من أن النمو السريع في الإقراض الممول من مستثمرين خاصين قد يؤدي إلى اهتزازات خطيرة في النظام المالي البريطاني، وربما يُعرّض الاستقرار الاقتصادي العام لمخاطر غير مسبوقة.
ووفقاً لتقارير صادرة عن مؤسسات مالية بريطانية، فإن القطاع الموازي للإقراض غير الخاضع للرقابة المصرفية المباشرة شهد توسعًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بارتفاع الطلب على التمويل البديل وسط تشديد سياسات الإقراض التقليدية من قبل البنوك النظامية. ويُقدر حجم أنشطة هذه الكيانات، التي تشمل صناديق الاستثمار الخاصة وشركات الائتمان المهيكلة، بنحو تريليوني جنيه إسترليني في السوق البريطانية وحدها.
ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن هذه المؤسسات، التي تُعرف اصطلاحاً بـ"البنوك المظللة"، لا تخضع لمعايير الملاءة المالية والإفصاح نفسها التي تُطبق على البنوك التقليدية، مما يجعلها عرضة لصدمات مفاجئة في حال حدوث تقلبات حادة في أسعار الفائدة أو الأصول.
وقال أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، في تصريحات صحفية، إن البنك المركزي "يتابع عن كثب تنامي أنشطة التمويل غير المصرفي"، مؤكداً أن أي اضطراب في هذا القطاع يمكن أن ينتقل بسرعة إلى النظام المالي الأوسع عبر قنوات التمويل والتسليف المشتركة. وأوضح أن البنك يعمل حالياً على وضع أطر تنظيمية جديدة تهدف إلى تعزيز الشفافية وتقليل المخاطر النظامية المرتبطة بهذه الأنشطة.
من جهته، أكد مجلس السياسة المالية البريطاني أن تنامي حجم القروض المقدمة عبر "البنوك المظللة" يمثل "ثغرة تنظيمية" قد تؤدي إلى تكرار أزمات مالية مشابهة لتلك التي شهدها العالم عام 2008، عندما تسببت المؤسسات المالية غير المنظمة في انهيارات واسعة بأسواق الائتمان.
كما حذّر عدد من الخبراء في هيئة السلوك المالي البريطانية (FCA) من أن الاعتماد المفرط على رأس المال الخاص في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة قد يرفع من مستوى المخاطر، خاصة في ظل تباطؤ الاقتصاد البريطاني وتأثره بارتفاع معدلات الفائدة وتراجع الطلب المحلي.
وفي سياق متصل، أشارت دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاقتصادية والمالية في لندن إلى أن نحو 30% من القروض الجديدة المقدمة للشركات خلال العام الجاري جاءت من مؤسسات غير مصرفية، وهو ما يُظهر تحولاً هيكلياً في منظومة التمويل البريطاني. وأوضحت الدراسة أن هذا الاتجاه قد يساهم مؤقتاً في تحفيز النمو، لكنه في المقابل يزيد من هشاشة النظام المالي أمام الصدمات المفاجئة.
وتسعى السلطات البريطانية إلى تحقيق توازن دقيق بين تشجيع الابتكار المالي وضمان الاستقرار النظامي، إذ ترى الحكومة أن التمويل غير المصرفي يمكن أن يساهم في دعم الشركات الناشئة والقطاعات الجديدة، لكنها في الوقت نفسه تخشى من غياب الرقابة الكافية والإفصاح المالي.
ويترقب المستثمرون والمتعاملون في الأسواق إعلان بنك إنجلترا خلال الأسابيع المقبلة عن استراتيجية تنظيمية جديدة تشمل توسيع نطاق المراقبة على الأنشطة الائتمانية خارج النظام المصرفي، بالتنسيق مع الشركاء الدوليين ضمن مجلس الاستقرار المالي العالمي (FSB).
وتأتي هذه التحركات في وقت تتزايد فيه المخاوف من ركود اقتصادي محتمل في المملكة المتحدة، مع تراجع الاستثمارات الخاصة وتباطؤ الإنتاج الصناعي وارتفاع تكاليف الاقتراض، ما يجعل أي اضطراب في سوق التمويل غير المصرفي أكثر خطورة على النظام المالي بأكمله.










0 تعليق