نتنياهو والمرحلة الثانية من شرم الشيخ: وأساليب المماطلة والعرقلة - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتزايد المؤشرات في الأوساط السياسية والدبلوماسية على أن بنيامين نتنياهو يتعمد انتهاج سياسات تهدف إلى إفشال المرحلة الثانية من خطة شرم الشيخ، من خلال إبطاء استئناف المفاوضات وعرقلة تنفيذ بنود الانسحاب وإعادة الإعمار وتشكيل القوات الدولية. ويكشف هذا السلوك عن نهج مدروس لإبقاء الخطة رهينة الجمود عند حدود المرحلة الأولى، دون إحراز أي تقدم نحو التنفيذ الكامل وتحقيق الاستقرار المستدام، مما يفقدها معناها الحقيقي ويقوّض فرص تحقيق أهدافها الجوهرية

ينطوي هذا الوضع على تداعيات سياسية وأمنية عميقة، إذ إن استمرار المرحلة الأولى دون استكمال لاحق يُضعف الثقة بين الأطراف المعنية ويزيد من احتمالات تجدد العنف وتدهور البيئة التفاوضية. وفي هذا السياق، يُنظر إلى نتنياهو على نطاق واسع بوصفه أحد أبرز العوائق أمام تقدم العملية السياسية، لا باعتباره طرفًا يواجه تحديات ظرفية أو عقبات إجرائية فحسب، بل كفاعل سياسي يتعمد توظيف الجمود القائم لخدمة أهدافه الداخلية.

وتشير تحليلات متعددة إلى أن نتنياهو لا يكتفي بالحياد السلبي إزاء الخطه، بل يتعمد عرقلة تنفيذها للحفاظ على تماسك تحالفه الحكومي وضمان استمرار موقعه في رئاسة الوزراء، في ظل ما تفرضه المرحلة الثانية من تنازلات جوهرية تخالف ما كان يسعي لتحقيقه،  ولا تُعد هذه العرقلة، وفق العديد من المراقبين، مجرد تكتيك تفاوضي، بل خيارًا سياسيًا محسوبًا، يعكس توازنًا دقيقًا بين اعتبارات البقاء السياسي ومتطلبات الالتزام الدولي.

وفي هذا الإطار، أشار تحليل صادر عن مؤسسة Chatham House بعنوان “Netanyahu’s Phase Two Dilemma: Political Survival vs. Defying President Trump” إلى أن نتنياهو وجد نفسه أمام خيارين متعارضين: المضي قدمًا في تنفيذ المرحلة الثانية من شرم الشيخ وفق خطة إدارة ترامب، أو التراجع حفاظًا على تماسك الائتلاف واستمرار نفوذه السياسي. ويرى هذا التحليل أن استمرار نتنياهو في التعنت والمماطلة يعرّضه لخطر فقدان الدعم الأمريكي حتى ولو شرع في تطبيق الخطه جزئيًا، مما يجعل المرحلة الثانية اختبارًا سياسيًا حاسمًا، لا مجرد استحقاق تفاوضي.

فتنفيذ بنود الانسحاب وإعادة الإعمار يحمل في طياته احتمالات تهدد بانفراط عقد الحكومة الإسرائيلية، خاصة في ظل الضغوط التي يمارسها جناح اليمين المتطرف داخل الائتلاف، وهو ما يدفع نتنياهو إلى البحث عن صيغ تؤجل أو تعيد تعريف المرحلة الثانية بما يتوافق مع توازناته الداخلية. وقد واصلت مؤسسة Chatham House تناول هذه الإشكالية في تحليل لاحق بعنوان “Netanyahu’s Concepts Collapsed, One by One, as Trump Piled on Pressure”، مؤكدة أن الحكومة الإسرائيلية تواجه ضغوطًا متصاعدة، وأن احتمالات الدعوة إلى انتخابات مبكرة باتت مطروحة بجدية، ما يجعل أي خطوة غير محسوبة كفيلة بإفشال العملية برمتها.

وفي الاتجاه نفسه، تناولت صحيفة Times of Israel في مقال بعنوان “Trump’s Bearhug Leaves Netanyahu with Little Room to Move” المعضلة التي تواجه نتنياهو نتيجة الالتزامات التي فرضتها عليه الخطه ، إذ وجد نفسه محاصرًا بين تنفيذ تعهداته من جهة والحفاظ على استقرار حكومته من جهة أخرى، في معادلة تضيق هامش المناورة السياسية إلى حد كبير.

وفي ظل تلك التوجهات ، تصاعدت حالة الاستياء داخل الإدارة الأمريكية بسبب التجاوزات الإسرائيلية، بما في ذلك الضربات التي قامت بها إسرائيل في غزة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز النفاذ، بالإضافة إلى محاولات إسرائيل ضم الضفة الغربية. ويضاف إلى ذلك مخططات نتنياهو – الذي لا يزال يواجه محاكمات بتهم الفساد والرشوة – لعرقلة تنفيذ المرحلة الثانية أو تطبيق بعض بنودها بصورة انتقائية، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على مصداقية واشنطن الإقليمية، إذ إن استمرار النهج الحالي يضع إسرائيل في موقف دقيق أمام حليفها الأمريكي، ويهدد بتحويل خطه شرم الشيخ إلى إطار شكلي بلا مضمون عملي.

فبعد عشرات الضربات التي قامت بها إسرائيل في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط Witkoff وصهر الرئيس الأمريكي  Kushner خلال لقائهما بنتنياهو ضرورة أن تتلقى الولايات المتحدة إشعارًا مسبقًا من إسرائيل قبل أي ضربات للجيش الإسرائيلي في غزة. وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت يوم 20 أكتوبر نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أن هناك قلقًا متزايدًا داخل إدارة الرئيس ترامب بشأن احتمال انسحاب نتنياهو من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وأضافت الصحيفة أن الإدارة تعمل على منع استئناف الحرب.

ولذلك جاءت الزيارات الأمريكية رفيعة المستوى إلى إسرائيل، والتي شملت ايضاً زياره من نائب الرئيس الأمريكي Vance ووزير الخارجية Marco Rubio، في إطار محاولات واشنطن ضمان تحقيق تقدم في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي استند إلى خطة السلام من 20 نقطة التي وضعها ترامب لقطاع غزة، ومواجهة الأفعال التي يقوم بها نتنياهو من أجل إفشال الخطة.

واتصالًا بذلك، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرًا صارمًا لإسرائيل بشأن مخططاتها لضم الضفة الغربية، في مقابلة نُشرت يوم 15 أكتوبر في مجلة تايم، حيث أكد: “لن يحدث ذلك، لأنني أعطيت وعودًا للدول العربية، وإسرائيل ستفقد كل دعمها من الولايات المتحدة إذا حدث ذلك”. كما حذر وزير الخارجية Marco Rubio قبل وصوله إلى إسرائيل من أن التحركات المتعلقة بضم الضفة الغربية “تهدد” وقف إطلاق النار في غزة، بينما صرح نائب الرئيس Vance أن سياسة إدارة ترامب هي أن الضفة الغربية لن تُضم لإسرائيل، وأن هذا سيستمر كسياسة رسمية للولايات المتحدة.

إن ما يحدث حول المرحلة الثانية من شرم الشيخ يسلط الضوء على الدور السلبي الذي يلعبه نتنياهو في تعقيد مسار السلام، حيث يبدو أن مصالحه السياسية الشخصية تتقدم على الالتزامات الدولية والمصلحة العامة. فاستمرار المماطلة والعرقلة يعكس توجهًا ممنهجًا لإجهاض الخطه من اجل تثبيت موقعه الداخلي، على حساب الاستقرار الإقليمي والمصداقية الدولية لإسرائيل، ولعل تطور الأمور في اسرائيل نحو عقد انتخابات قد تؤدي الي بدائل افضل يمكن ان تحقق مصالح جميع الأطراف الاقليميه والدولية وحتي المصالح الاسرائيلية ذاتها، اذ يبدو جلياً ان نتنياهو يواجه اداره امريكيه لن تسمح له بافشال ما تطرحه من افكار تهدف الي وقف الحرب والي محاوله بناء السلام.

 

السفير عمرو حلمي 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق