تشهد منطقة شرق البحر المتوسط تحوّلًا جيوسياسيًا لافتًا، حيث برزت قبرص كمسرح جديد للتنافس الإقليمي، لكن هذه المرة ليس بين أنقرة وأثينا كما كان لعقود، بل بين تركيا وإسرائيل.
التحولات الأخيرة أعادت رسم توازنات القوة، مع دخول ملفات الطاقة والأمن والتحالفات العسكرية إلى قلب الصراع، وسط تصاعد التوترات الإقليمية وانخراط أطراف جديدة في اللعبة.
من خلاف يوناني-تركي إلى مواجهة جديدة
لطالما كانت الجزيرة القبرصية رمزًا لانقسام تاريخي بين تركيا واليونان، لكن مع تزايد النفوذ الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، تحولت قبرص إلى نقطة ارتكاز إستراتيجية لتل أبيب في مواجهة أنقرة.
ويرى مراقبون أن هذا التبدّل في طبيعة الصراع يعكس مرحلة جديدة، تستخدم فيها إسرائيل قبرص كمنصة لتطويق النفوذ التركي عسكريًا واستخباراتيًا.
قواعد ومراقبة ومنظومات دفاعية إسرائيلية
وفقًا لتقارير إعلامية، نشرت إسرائيل في قبرص منظومات دفاع جوي متقدمة من طراز "باراك إم إكس" بمدى يصل إلى 400 كيلومتر، إضافة إلى قواعد مراقبة ومنشآت استخباراتية تُدار بالتنسيق مع السلطات القبرصية اليونانية.
ويقول المحلل التركي مهند حافظ أوغلو في حديثه لقناة "سكاي نيوز عربية": "قبرص أصبحت نقطة ارتكاز إسرائيلية للضغط على تركيا، ونشر الأنظمة الدفاعية والاستخباراتية هناك يشير إلى مرحلة مختلفة من الصراع".
أنقرة.. "الرقم الصعب" في معادلة المتوسط
يرى أوغلو أن إسرائيل تسعى لتوسيع جبهاتها ضد تركيا بعدما أدركت أنها "الرقم الصعب" في معادلة الشرق الأوسط، وأن تجاوزها سياسيًا أو عسكريًا بات مستحيلًا.
ويضيف أن تل أبيب تستخدم قبرص كورقة ضغط لتحقيق هدفين أساسيين: تقليص النفوذ التركي في المنطقة، إرسال رسائل أمنية وسياسية مباشرة عبر تحركاتها العسكرية في الجزيرة.
انتخابات شمال قبرص.. صدى الصراع
يؤكد محللون أن نتائج الانتخابات الأخيرة في شمال قبرص، والتي فاز فيها المرشح توفان إرهورمان المعارض لسياسات أنقرة، مثّلت "ضربة دبلوماسية" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ظل اتهامات بتدخلات إسرائيلية غير مباشرة لدعم خصومه.
ويعتبر ذلك جزءًا من "المعركة الناعمة" التي تخوضها إسرائيل لإضعاف الحضور التركي في المناطق الحيوية شرق المتوسط.
قبرص.. "منطقة انطلاق" ضد تركيا
بحسب المراقبين، أصبحت قبرص اليونانية أشبه بـ"منطقة عمليات إسرائيلية"، تُستخدم كمنصة لجمع المعلومات ومراقبة التحركات التركية في البحرين الأبيض والمتوسط، بل وحتى في غزة، التي ترفض تل أبيب أي وجود تركي فعّال فيها.
توازنات جديدة في شرق المتوسط
يؤكد الباحث أوغلو أن التطورات الأخيرة تشير إلى بروز شرق أوسط جديد، تتقاطع فيه ملفات الطاقة، وترسيم الحدود البحرية، والأمن الإقليمي.
ويقول: "التحالف الإسرائيلي مع قبرص واليونان يأتي ضمن محاولات لاحتواء تركيا من الشرق والغرب، وتطويقها استراتيجيًا، خصوصًا في ظل اتفاق أنقرة البحري مع ليبيا".
مشهد يتشكل.. وملامح صراع طويل
تحوّل قبرص إلى محور صراع تركي-إسرائيلي يعكس إعادة ترتيب واسعة للنفوذ في شرق المتوسط.
وفي ظل غياب حلول سياسية شاملة، يبدو أن الجزيرة الصغيرة ستبقى نقطة التماس الكبرى في مواجهة مفتوحة تجمع بين الطموح العسكري، والمصالح الاقتصادية، وصراع الإرادات في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.


















0 تعليق