قررت كبرى شركات التكنولوجيا الصينية، من بينها مجموعة "آنت" التابعة لـ"علي بابا" وشركة "جي دي دوت كوم"، تجميد خططها لإصدار عملات مستقرة في هونغ كونغ، بعد تلقيها تحذيرات مباشرة من السلطات التنظيمية بشأن المخاطر المحتملة لهيمنة القطاع الخاص على سوق العملات الرقمية المستقرة.
وقالت مصادر مطلعة إن التعليمات جاءت من بنك الشعب الصيني وإدارة الفضاء الإلكتروني في الصين، اللتين طالبتا تلك الشركات بعدم المضي في مشروعات العملات المستقرة، في خطوة تعكس رغبة بكين في الإبقاء على السيطرة الحكومية الصارمة على النظام النقدي والرقمي في البلاد.
خلفية القرار
تأتي هذه التطورات بعد أن كانت هونغ كونغ قد أقرت في مايو الماضي قانوناً جديداً ينظم إصدار العملات المستقرة، وأطلقت بموجبه نظاماً لترخيص الشركات التي ترغب في إصدار عملات رقمية مدعومة بعملات ورقية، مثل الدولار الهونغ كونغي.
ويهدف القانون إلى توفير بيئة تنظيمية واضحة لجذب المؤسسات المالية الموثوقة إلى سوق العملات الرقمية، شريطة الالتزام بمتطلبات الإفصاح والحوكمة.
وبموجب النظام الجديد، يُلزم أي مصدر للعملات المستقرة داخل أو خارج هونغ كونغ بالحصول على ترخيص رسمي من سلطة النقد، وهي الجهة المنظمة للقطاع المالي في الإقليم، لضمان الشفافية ومنع استغلال العملات لأغراض مضاربة أو غير مشروعة.
تحذيرات من بنك الشعب الصيني
ذكرت تقارير محلية أن مسؤولي بنك الشعب الصيني أعربوا عن مخاوف جدية من مشاركة شركات التكنولوجيا الكبرى في برامج تجريبية لإطلاق العملات المستقرة، معتبرين أن السماح لشركات خاصة أو وساطة مالية بإصدار مثل هذه العملات قد يضعف الرقابة الحكومية على النظام المالي ويخلق «أنظمة نقدية موازية» لا تخضع للسيطرة المركزية.
وكانت مجموعة آنت قد أعلنت في يونيو الماضي انضمامها إلى برنامج تجريبي لتطوير عملة مستقرة في هونغ كونغ، بينما أبدت "جي دي دوت كوم" نيتها الانضمام إلى المبادرة نفسها. إلا أن تلك المشاريع توقفت بعد التحذيرات التنظيمية الأخيرة.
غياب التعليق الرسمي
امتنعت كل من مجموعة آنت، وجي دي دوت كوم، وبنك الشعب الصيني، وإدارة الفضاء الإلكتروني في الصين، وسلطة النقد في هونغ كونغ عن الإدلاء بأي تصريحات رسمية بشأن القرار، ما أثار تساؤلات حول مستقبل القطاع الرقمي المالي في الإقليم، الذي كانت هونغ كونغ تسعى لجعله مركزاً إقليمياً للتمويل الرقمي.
مفهوم العملات المستقرة ودلالاته الاقتصادية
تُعرف العملات المستقرة (Stablecoins) بأنها عملات رقمية مشفرة تهدف إلى الحفاظ على قيمة ثابتة مرتبطة بعملة تقليدية مثل الدولار الأمريكي أو اليوان الصيني، وتُستخدم عادة لتسهيل عمليات التداول بين العملات المشفرة المختلفة دون الحاجة إلى العودة إلى العملات الورقية في كل معاملة.
ويرى محللون أن القرار الأخير يعكس حذر بكين المتزايد تجاه تنامي نفوذ الشركات الخاصة في المجال المالي، خاصة بعد محاولات سابقة لتنظيم سوق التكنولوجيا المالية عقب حملة عام 2021 ضد منصات الإقراض الإلكتروني.
انعكاسات القرار
اقتصاديًا، من المتوقع أن يؤدي تجميد مشاريع العملات المستقرة إلى إبطاء طموحات هونغ كونغ في التحول إلى مركز عالمي للتقنيات المالية، كما قد يعزز دور البنك المركزي الصيني في توسيع استخدام عملته الرقمية الرسمية (اليوان الرقمي) التي تخضع لرقابة الدولة بشكل مباشر.
أما على المستوى الدولي، فإن الخطوة قد تزيد من حذر المستثمرين العالميين تجاه بيئة الابتكار المالي في الصين، خاصة في ظل تزايد القيود التنظيمية على العملات المشفرة وتوجه السلطات إلى تعزيز الانضباط المالي على حساب التجارب التكنولوجية.
0 تعليق