شهدت الأيام الأخيرة في المغرب اجتياحًا واسعًا لترند غريب ومثير للجدل على تطبيق "تيك توك" تحت عنوان "رجل مشرد في بيتنا"، يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد صور واقعية تُظهؤر وجود غرباء داخل المنازل، كما لو أنها مشاهد حقيقية تم توثيقها بعدسات الكاميرا.
من مزحة إلى ذعر جماعي
بدأت الظاهرة على شكل مقالب ومزحات رقمية تداولها أطفال وشبان على نطاق ضيق مع أسرهم، قبل أن تتطور بسرعة إلى موجة من الهلع الحقيقي داخل عدد من البيوت المغربية، إذ صدّق كثيرون من أفراد الأسر، خاصة كبار السن، أن الصور المتداولة حقيقية، ما دفع بعضهم للاتصال بالسلطات أو الجيران خوفًا من وجود متسللين في منازلهم.
دعوات لفتح تحقيقات رسمية
الانتشار الواسع للمقاطع التي تظهر "المشرد داخل البيوت" خلق حالة من القلق المجتمعي، ما أدى إلى تصاعد الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لفتح تحقيقات رسمية للكشف عن الجهات التي تقف وراء توليد هذا النوع من المحتوى، وسط تحذيرات متزايدة من احتمال استخدام الصور المزيفة في الابتزاز أو التشهير أو نشر الرعب داخل المجتمع، خصوصًا في أوساط الأسر والأطفال.
مطالب بتشديد القوانين
وتفاعل العديد من النشطاء الرقميين والمواطنين مع هذه الدعوات، مطالبين بـوضع تشريعات صارمة تحدّ من الاستخدام العشوائي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج صور ومقاطع مضللة، لا سيما تلك التي تُظهر أشخاصًا أو أماكن واقعية بطريقة غير حقيقية، ما يُعد خرقًا واضحًا للخصوصية وأمن الأفراد.
مختصون يحذرون: "الذكاء الاصطناعي يتحول إلى أداة تخويف"
وفي هذا السياق، حذر عدد من المختصين من تصاعد ما وصفوه بـ"العنف الرقمي غير المرئي"، الناتج عن التحديات الجديدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وأكدوا أن التطورات المتسارعة في أدوات توليد الصور ومقاطع الفيديو تُظهر مشاهد واقعية يصعب على المتلقي تمييزها عن الحقيقة، مما يُضاعف من خطر التضليل السيبراني، خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين.
قورية: الذكاء الاصطناعي يُستغل لنشر الرعب
وقال أنوار قورية، خبير مغربي في الذكاء الاصطناعي، إن ترند "رجل مشرد في بيتنا" يُجسد الوجه المظلم لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أنه أصبح يُستخدم لإنتاج صور ومقاطع تُوهم المستخدمين بوجود خطر حقيقي داخل منازلهم، ما يخلق حالة من التشويش والخوف، لا سيما لدى الفئات الهشة.
وأكد قورية أن هذا النوع من المحتوى "يجذب التفاعل السريع على المنصات الرقمية، ما يجعله ينتشر بكثافة بفضل خوارزميات التطبيقات التي تُعلي من شأن المحتوى المُثير، بغض النظر عن آثاره النفسية"، مضيفًا أن التعرض المتكرر لمثل هذه المقاطع قد يؤدي إلى القلق واضطرابات النوم وضعف الثقة بالواقع الرقمي لدى المستخدمين.
دعوة لرفع الوعي الرقمي ومراقبة المنصات
وشدد الخبير على أهمية رفع الوعي الرقمي داخل الأسر والمدارس، وتفعيل أدوات الرقابة الأبوية، إلى جانب المطالبة بـ"رقابة خوارزمية أكثر شفافية" من جانب شركات التكنولوجيا. وأوضح أن التحدي الحقيقي "لا يكمن في إيقاف التكنولوجيا، بل في توجيه استخدامها لخدمة الإنسان بدلاً من إخافته".
الحكومة تتحرك: مشروع قانون قيد الدراسة
وفي سياق متصل، أشار وزير العدل المغربي مؤخرًا إلى أن بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد تسهم في صناعة جرائم تمسّ بحريات المواطنين وحتى مسؤولي الدولة، مضيفًا أن الحكومة المغربية بصدد دراسة مشروع قانون لتنظيم التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، بشكل يضمن الاستخدام الآمن والمسؤول.
هذا التوجه يعكس قلقًا متناميًا لدى السلطات المغربية من التأثيرات المتزايدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، خاصة في ظل انتشار التطبيقات القادرة على تزوير المشاهد والمعلومات، دون أن تترك أي أثر فني واضح يُسهل التمييز بينها وبين الحقيقة.
0 تعليق