هل ينجح لبنان في استيراد الغاز والكهرباء؟.. أسرار لأول مرة (تغطية خاصة) - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل استمرار أزمة الطاقة في لبنان، يبرز خيار استيراد الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سوريا بمثابة حل عملي لتأمين الحد الأدنى من التغذية الكهربائية والتقليل من الاعتماد المكلف وغير المستدام على الوقود السائل.

فقد شهدت الأعوام الأخيرة محاولات حثيثة من قِبل الحكومة لإحياء مشروعات الربط الكهربائي العربي وخط الغاز العربي، بما يتيح تدفق الطاقة من دول الجوار إلى الداخل اللبناني، لا سيما في ضوء تفاقم عجز الإنتاج المحلي وارتفاع تكلفة التشغيل.

وكان وزير الطاقة الأردني الدكتور صالح الخرابشة، قد أكد خلال لقائه نظيره اللبناني جوزيف الصدي يوم الأربعاء 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، استعداد المملكة لتزويد لبنان بالكهرباء والغاز الطبيعي فور اكتمال جاهزية "الأطراف الأخرى المعنية"، مشيرًا إلى أن خطوط الربط الكهربائي من الجانب الأردني جاهزة بالكامل.

إلا أن الجدوى الاقتصادية والسياسية لهذه المشروعات ما زالت محل نقاش بين المتابعين لهذا الملف، ففي حين يؤكد خبراء ومسؤولون سابقون جاهزية الشبكات (سواء الكهرباء أو الغاز) في الأردن وسوريا، فما زالت هذه المشروعات تواجه عقبات مالية ولوجستية كبيرة، أبرزها غياب محطات التغويز في لبنان والحاجة إلى بناء خطوط نقل جديدة.

في هذه التغطية الخاصة، يتحدث 6 مسؤولين سابقين وخبراء إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، عن رؤيتهم لهذا الملف الشائك، كما يكشفون عن أسرار تخرج لأول مرة.

خيار إستراتيجي

وزير الطاقة اللبناني السابق الدكتور وليد فياض، الذي كان حاضرًا في الكثير من خبايا وكواليس هذا الملف، يقول لمنصة الطاقة، إن مشروع استيراد الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا كان جاهزًا للتنفيذ في عام 2022، بعد أن أنجزت الحكومة السورية أعمال تأهيل شبكة النقل، ووُقّعت العقود مع الأردن وسوريا، بما في ذلك اتفاق يمنح سوريا 8% من الكهرباء تعويضًا عن رسوم العبور.

وأوضح فياض أن المشروع تعطّل بسبب قانون قيصر الأميركي، ورغم القبول المبدئي من واشنطن والبنك الدولي باستثنائه، فإن الإجراءات لم تكتمل.

ولفت إلى أن سعر الكهرباء المتفق عليه كان 11 سنتًا للكيلوواط/ساعة، مع هامش مرتبط بسعر برميل النفط، مشيرًا إلى أن السعر مناسب مقارنة بتكلفة الإنتاج المحلي.

وبالنسبة إلى الوضع الحالي، أشار إلى أنه يفترض أن تكون شبكة النقل السورية قد عادت إلى العمل بعد إصلاحات استغرقت 6 أشهر، ما يعيد احتمالية تنفيذ الاتفاق.

وزير الطاقة اللبناني السابق الدكتور وليد فياض

وفي ملف الغاز، أشار فياض إلى أن اتفاق استيراد الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى معمل دير عمار كان جاهزًا أيضًا، لكن العقوبات حالت دون تنفيذه.

وطرح عدة خيارات بديلة، أبرزها استيراد الغاز المسال، إما عبر منصة تغويز في دير عمار بالشراكة مع دولة مثل قطر، وإما تغويز الغاز في الأردن ونقله عبر سوريا، موضحًا أن تكلفة التغويز الأردني زهيدة ولا تتجاوز سنتًا لكل مليون وحدة حرارية.

وقال إن إنشاء منصة تغويز في دير عمار يمكن أن يُنفّذ خلال عام، ويوفر خيارًا أرخص وأكثر استقرارًا على المدى الطويل، خاصة إذا وُقّع عقد طويل الأمد مع شريك مثل قطر.

وأكد فياض أن التحول من الفيول إلى الغاز سيخفّض تكلفة إنتاج الكهرباء إلى ما دون 10 سنتات للكيلوواط، مقارنة بـ14 سنتًا حاليًا، داعيًا مؤسسة كهرباء لبنان إلى تفعيل هذا المسار لزيادة التغذية وخفض العجز المالي.

استيراد الغاز المصري

أكد مستشار وزير الطاقة اللبناني السابق طوني ماروني، أن مشروع استيراد الكهرباء من الأردن عبر سوريا يعود إلى عام 2010، وبلغ مراحله النهائية في عهد الوزير وليد فياض، إلا أن العقوبات على دمشق حالت دون تنفيذه.

وأوضح ماروني -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن الشبكة السورية أُعيد تأهيلها بالكامل على نفقة الحكومة السورية، ما يجعلها جاهزة للتشغيل، مشيرًا إلى أن الأردن يمتلك فائضًا كهربائيًا، خاصة من الطاقة الشمسية، ويمكن أن يساعد لبنان في تقليص عجزه.

أما بخصوص الغاز المصري فقد أوضح ماروني أن لبنان كان يعتمد على آلية تبادل مع سوريا لنقله إلى معمل دير عمار، الذي توقف عن العمل بالغاز منذ 2009 بسبب خلاف مالي، ما أدى إلى خسائر يومية تُقدّر بمليون دولار.

كما أشار إلى أن تشغيل معملي دير عمار والزهراني بالغاز يمكن أن يوفر نحو مليوني دولار يوميًا، داعيًا إلى رفع العقوبات لإحياء هذه المشروعات، رغم التحديات الناتجة عن تراجع إنتاج مصر من الغاز والكهرباء.

مستشار وزير الطاقة اللبناني السابق طوني ماروني

هل يستورد لبنان الغاز المسال؟

من جانبه، يرى الخبير في اقتصادات الطاقة، المدير التنفيذي لشركة بيترولب في بيروت، ناجي أبي عاد، أن استيراد لبنان للغاز المسال سيكون عبر الأردن نظرًا إلى غياب محطات تغويز محلية، مؤكدًا أن تكلفة نقل الغاز عبر خط الغاز العربي مرورًا بسوريا إلى معمل دير عمار مرتفعة جدًا، ما يجعل المشروع غير مجدٍ اقتصاديًا ما لم يُقدَّم الغاز بمثابة مساعدة من دولة مثل قطر.

وأضاف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن معمل دير عمار هو الوحيد المؤهل حاليًا لاستقبال الغاز، في حين يفتقر معمل الزهراني إلى خط أنابيب لنقله من الشمال، ما يجعل تشغيله بالغاز غير ممكن حاليًا.

وأكد أبي عاد أن الخيار الأفضل اقتصاديًا هو تزويد لبنان بالكهرباء من الأردن بدلًا من الغاز، نظرًا إلى انخفاض التكلفة وجهوزية البنية التحتية.

الخبير في اقتصادات الطاقة ناجي أبي عاد

غياب الحلول المستدامة

"إن استمرار الدولة اللبنانية في البحث عن استيراد الغاز والكهرباء من الأردن ومصر أو الفيول من العراق وإيران، هو دليل على غياب الحلول المستدامة في إدارة قطاع الكهرباء".

هكذا علّقت مستشارة السياسات العامة للكهرباء، مهندسة الطاقة جيسيكا عُبيد، مؤكدة أن البلاد ما زالت تركّز على تأمين التغذية لساعات محدودة، دون معالجة جذور الأزمة.

وأوضحت أن الأزمة المالية المزمنة في لبنان تبقى العائق الأكبر أمام تحسين التغذية الكهربائية، مشيرة إلى أن الدولة تفتقر إلى القدرة الشرائية لاستيراد الوقود، رغم مرور أكثر من 5 أعوام على بدء الأزمة.

وأضافت أن مشروع استيراد الكهرباء والغاز من الأردن عبر سوريا واجه عقبات سياسية وتقنية ومالية، مشيرة إلى أن الجزء السياسي منها تم تجاوزه، في حين ما زالت المشكلات المالية والتقنية قائمة، خصوصًا الحاجة إلى إصلاح الشبكات في كل من سوريا ولبنان، وهو ما قد يستغرق نحو 3 أشهر فقط إذا توافر التمويل.

مستشارة السياسات العامة للكهرباء جيسيكا عبيد

وعن استيراد الغاز، أكدت عُبيد أن أكثر من نصف القدرة الإنتاجية للكهرباء في لبنان قابلة للتحول للعمل بالغاز خلال مدة قصيرة، لكن المشكلة تكمن في غياب البنية التحتية الملائمة، مثل خطوط النقل والتخزين وشبكات التوزيع، وهو ما يعقّد تنفيذ هذه المشروعات.

وشددت على أن الأزمة في لبنان تتجاوز الحلول المرحلية، داعية إلى تبنّي رؤية شاملة ومستدامة تشمل بناء محطات تعمل بالغاز، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتحسين شبكات النقل، والحد من الهدر الفني والتعديات، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات مالية حقيقية لاستعادة الثقة وجذب الاستثمارات.

ومن جانبها، قالت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتيان -في تصريحات إلى منصة الطاقة- إن الإصلاحات الأخيرة في مؤسسة كهرباء لبنان، وتعيين الهيئة الناظمة، أعطت دفعة إلى مشروعات استيراد الغاز والكهرباء، مشيرة إلى أن الشبكات أصبحت جاهزة من الجهتَيْن السورية واللبنانية، ما يعيد إمكان الربط الكهربائي مع الأردن إلى الواجهة.

تقييم الجدوى الاقتصادية

حول ملف الغاز، كشفت هايتيان عن أن شركة قطر للطاقة دخلت في مفاوضات مع الحكومة اللبنانية ومؤسسة كهرباء لبنان للاستثمار في محطات كهرباء وتغويز على الساحل اللبناني، ضمن اتفاقات قد تمتد من 10 إلى 20 عامًا لتوريد الغاز القطري، لكنها شددت على أن نتائج هذه المفاوضات لم تتضح بعد.

وأكدت أن لبنان بحاجة إلى تقييم الجدوى الاقتصادية لهذه المشروعات، ليس فقط من حيث التكلفة، بل من ناحية الربط الإقليمي، مضيفة أن لبنان ما زال يأمل في تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز، بل يتطلع إلى تصديره مستقبلًا إلى دول الجوار مثل الأردن وسوريا ومصر، التي جميعها تبحث عن تنويع مصادر الطاقة وخفض التكلفة.

مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان

ملف يحتاج إلى إعادة نظر

من جهته، أكد الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس بالجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب، أن الشبكات في لبنان والأردن باتت جاهزة، لكن الوضع في جنوب سوريا ما زال غير مستقر أمنيًا، ما يثير الشكوك حول جاهزية الشبكة هناك لنقل الكهرباء.

ولفت إلى أن أسعار الكهرباء المتفق عليها في السابق كانت مرتفعة، إذ تراوح السعر بين 11 و16 سنتًا للكيلوواط/ساعة، بسبب المخاطر السياسية آنذاك، ما يدعو اليوم إلى إعادة النظر في الاتفاقية وخفض الأسعار نظرًا إلى تغير المعطيات السياسية في سوريا.

وحول ملف الغاز، أكد أيوب -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن الاتفاق الذي وُقّع عام 2022 بين مصر والأردن ولبنان لاستيراد الغاز لم يُنفّذ بسبب تحوّل مصر من دولة مصدّرة إلى مستوردة للغاز خلال الأعوام الـ3 الماضية.

الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس بالجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب

وأشار إلى أن لبنان يبحث -حاليًا- عن خيارات بديلة، من بينها نقل الغاز القطري عبر العقبة أو إنشاء محطة تغويز على الساحل اللبناني بدعم من الدوحة، لتفادي التكاليف الإضافية الناتجة عن النقل والتغويز عبر الأردن.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

 

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق